Saturday, May 31, 2014

"ربيع الثورات العربية" يعزز الثوابت الوطنية الفلسطينية.. حق العودة نموذجاً

مدخل:
ثمة ثلاثة أجوبة تمثل ثلاثة مفاهيم مختلفة، تجيب على السؤال: لماذا لم تحل القضية الفلسطينية، رغم كل ما بذل من جهود على مدار العقود الماضية؟ الأول- أنه لا توجد، ولم تكن، ولن تكون هناك رغبة أمريكية أو وأوروبية في ذلك، والثاني: الوضع العربي بقي محكوماً عبر عقود طويلة بزعامات فاقدة للأهلية ومشغولة بتحقيق أهوائها الشخصية، والثالث يعتقد أن الفرصة قائمة، وأن النضوج التاريخي كان في متناول اليد، ولكن المشكلة تكمن في قراءة خاطئة من كل طرف للمصالح الحقيقية للآخر، وفي الإدارة الرديئة للمسيرة وطابع تنفيذها.
لقد حصل هذا العام تغير جوهري على الوضع العربي بموجب الثورات الشعبية، إذ انهارت بموجبه امبروطوريات الاستبداد، ومصر تعتبر تاج هذه الثورات، بسبب وزنها الجغرافي – السياسي على الصعيد الإقليمي والدولي، وبحكم قربها التاريخي والجغرافي من فلسطين، فمن الطبيعي أن تحمل العديد من الانعكاسات على قضيتها، وإن كانت التغيرات في السياسة الخارجية المصرية ما تزال في مراحل التكون، وبالتالي ليس من السهولة تلخيصها وصوغ تقديرات إستراتيجية بعيدة المدى إلا أنه يلمح هناك نقلة نوعية في الخطاب مع الآخر، والمقصود هنا إسرائيل.
حيث وجه وزير الخارجية المصري، نبيل العربي، في المدة الأخيرة تحذيراً إلى إسرائيل من نتائج شن أي عمل عسكري ضد قطاع غزة، يضاف لذلك نجاح الدبلوماسية المصرية في إعادة اللحمة إلى الساحة الفلسطينية عبر رعاية المصالحة بين حركتي فتح وحماس. وهي تطورات صدمت صناع القرار في تل أبيب، والذين فشلت استخباراتهم في قراءة الواقع، وتتخبط حالياً في وضع سيناريوهات للتعامل مع المرحلة المقبلة، بل أن مراكز الأبحاث الإسرائيلية بجميعها كانت تتحدث عن استقرار وصمود نظام مبارك في مواجهة أي أزمات داخلية، ولم يخطر في بالها أن تنجح "مصر الثورة" في إنهاء الانقسام بين الضفة وغزة في غضون أسابيع معدودة، وهو ما عجز عن نظام مبارك عن تحقيقه لمدة 4 سنوات.
البعد الدولي: أنهاية للهيمنة الأمريكية؟
على أي حال، إن نشوب الثورات الشعبية في العالم العربي، لا سيما في مصر، كان علامة بارزة على نهاية عصر في منطقة الشرق الأوسط، صاغ بقدر كبير واسهم في التحولات التي شهدتها القضية الفلسطينية عبر العقود الماضية، فمنذ توقيع كامب ديفيد عام 1979 بدأت السيطرة الأمريكية على المنطقة، وتعزز الوجود الإسرائيلي تدريجياً عبر فرض سياسة الأمر الواقع ومضاعفة عمليات الاستيطان في الأراضي المحتلة. وازدادت الهيمنة الأمريكية على المنطقة وسياستها اثر نهاية الحرب الباردة وحرب الخليج الأولى، وقادت محادثات سلمية ماراثونية متقطعة بين منظمة التحرير وإسرائيل، مثل مؤتمر مدريد 1991، واتفاق أوسلو 1993، وإنشاء السلطة الفلسطينية 1994، وكامب ديفيد الثانية عام 2000، وانابوليس عام 2007، بالتزامن مع ذلك عرفت المنطقة العمل العسكري أيضاً، حيث اندلعت الانتفاضة الثانية عام 2000، وشنت إسرائيل حرباً على لبنان عام 2006، وفي 2008  كررت هجومها العنيف على قطاع غزة المحاصر، وسبق ذلك الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس.
لكن برغم الزعزعات العميقة التي جرّبتها الساحة الفلسطينية في العقد الأخير والاختلال الكبير الذي طرأ على مسيرة استعادة الحقوق المسلوبة، لم تتلاشَ المسلمات والثوابت الفلسطينية، ومنها حق إقامة الدولة المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، وحق تقرير المصير، وحق عودة اللاجئين لبيوتهم التي شردوا منها. بكلمات أخرى أن الحديث يدور عن مسيرة تاريخية لم تنته بعد والنضال مستمر.
"سقوط مبارك يعيد الآمال"
ومهما يكن الأمر، فانه يتضح أن التغير في مصر وإسقاط نظام مبارك أعاد إلى الفلسطينيين الآمال المتعلقة باسترداد حقوقهم الضائعة، وتلقت المنظومة الإسرائيلية القائمة على عنصر المماطلة وإسقاط الحق بالتقادم ضربة قوية، فإسرائيل مثلاً تكهنت بان تختفي مشكلة اللاجئين من تلقاء نفسها، وبأنه أجلاً أم عاجلاً ستحل المخيمات الفلسطينية وسيتفرق الناس، ويعتبر، جابي شيفر، البروفيسور في العلوم السياسية في الجامعة العبرية، من أصحاب هذه النظرية، حيث يدعي انه إذا ما أعطي اللاجئون حق العودة إلى بلادهم فانه لن يجسده سوى ربع مليون من بينهم.. فالناس يرتبطون بالمكان الذي يسكنون فيه؛ وتنشأ أواصر عائلية؛ ومن الأفضل السير بحذاء قديم على استبدال الحذاء".
لكن ذكرى النكبة أخذت هذا العام زخماً غير معهود، وذلك في ظل الصحوة الشعبية في الشارع الفلسطيني والعربي، وهكذا ثبت لإسرائيل بأنه رغم مرور أكثر من 63 عاماً على تشتت الفلسطينيين في مخيمات اللجوء في الداخل والخارج إلا أنهم ما زالوا متمسكين بحقوقهم ويحلمون بالعودة، وهم يؤكدون أنه ليس هناك أحد مخول بالتنازل عن حقهم المكفول عبر عدة مواثيق دولية، (بما فيها إعلان حقوق الإنسان) وقرارات مجلس الأمن (بما فيها قرار 242) وقرارات الجمعية العمومية للأمم المتحدة، والتي تطالب بالسماح للاجئين بالعودة. وعلى رأسها قرار رقم 194. حيث حدد القرار "بالسماح بالعودة لكل اللاجئين الفلسطينيين الراغبين في ذلك إلى منازلهم والعيش بسلام مع جيرانهم في أقرب وقت ممكن من الناحية العملية. ويدفع تعويض عن أملاك من يفضلون عدم العودة وكذا على خسارة أو ضرر لحق بالأملاك، والتي حسب مبادئ القانون الدولي أو العدالة الدولية يجدر بالحكومات والسلطات المسؤولة أن تعوض عنها".
ويمكن للفلسطينيين أن يعولوا على التغير الحاصل على السياسة الخارجية العربية لا سيما أن أي زعيم عربي مقبل لا يمكنه انتهاج سياسة سابقيه كونه يعرف أن الشعب لن يتردد في خلعه في حال لم يلب طموحاته، ويرى الفلسطينيون في التحركات الشعبية في ميدان التحرير، والتظاهرات أمام السفارة الإسرائيلية المطالبة بإغلاقها، والحديث عن تنظيم مسيرة من ميدان التحرير إلى قطاع غزة صحوة ومقدمات لعزل إسرائيل عن محيطها الإقليمي وإجبارها على الانصياع للإرادة الفلسطينية التي بقيت لسنوات طويلة مسلوبة القوة والإمكانيات بفعل حالة ترهل السياسة الرسمية العربية ولهاثها خلف الوعود التي يطلقها كل رئيسي أمريكي جديد يدخل إلى البيت الأبيض.
ويقدر اللاجئون الفلسطينيون الذين يحيون في هذه الأيام ذكرى النكبة، أن ربيع الثورات العربية يحمل في طياته ركائز وبشائر جديدة ستساعد على تعزيز حق العودة، وبخاصة في ظل ظهور جبهة أوروبية تميل إلى إنهاء الصراع عبر الاعتراف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر المقبل، حيث ستقدم السلطة قراراً للتصويت على الاعتراف بهذه الدولة على حدود عام 1967، وذلك في حال لم تستحب إسرائيل لمتطلبات العملية السلمية وجمدت الاستيطان وعادت للمفاوضات، كما أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مؤخراً.
ذرائع إسرائيل الواهية
ولطوال سنوات، زعمت إسرائيل أن عودة اللاجئين الفلسطينيين تشكل تهديداً وجودياً عليها، واستخدمت عدة مزاعم لإحباط هذا الحق، أولا، ادعت أنها لم تكن الطرف المسؤول عن تشريد الشعب الفلسطيني، ومن هنا فان المسؤولية ليست ملقاة عليها. ثانياً، تذرعت بأن تطبيق القرار غير ممكن، وذلك ضمن أمور أخرى لأن اللاجئين غير معنيين "بالعيش بسلام مع جيرانهم". وثالثاً، أشارت إلى أن قرار الجمعية العمومية غير ملزم. وعملياً، فان الأسرة الدولية لم تضغط أبدًا على إسرائيل للموافقة على تطبيق حق العودة، لكن كل ذلك لم يسقط الحق الفلسطيني الذي مر بعدة مراحل، ومنها "إعلان المبادئ" - أو اتفاق أوسلو الذي وقعت عليه إسرائيل وم.ت.ف في 13 أيلول 1993 - قرر البحث في قضية اللاجئين في إطار المحادثات على التسوية الدائمة. وفي آب/أغسطس 2000 اجتمع الوفدان الإسرائيلي والفلسطيني في كامب ديفيد في محاولة للتوصل إلى تسوية نهائية للنزاع، لكنها فشلت، وحمل كل طرف الآخر المسؤولية، وزعمت إسرائيل أنه تم الاتفاق على بلورة منظومة ترمي إلى حل مشكلة اللاجئين، لكن السلطة رفضتها. وتقضي المنظومة المزعومة- بحسب إسرائيل- بأن تخصص الأسرة الدولية 20 مليار دولار، في فترة زمنية تتراوح بين 15 و20 سنة، لتسوية كل مطالب اللاجئين. ويعطى المبلغ كتعويض لعائلات اللاجئين، وكمنحة مساعدة للدول التي تعيد تأهيلهم. ويطرح على اللاجئين ثلاث إمكانيات: 
                 الأولى، التوطن في الدولة الفلسطينية. 
والثانية، البقاء في أماكن سكناهم. 
والثالثة، الهجرة إلى الدول التي تبرعت بفتح بواباتها أمامهم، مثل كندا واستراليا والنرويج. 
أما وجهة النظر الفلسطينية، فرفضت الإدعاء الإسرائيلي السابق، وأكد الفريق المفاوض في ذلك الوقت على أن مباحثات السلام أدت إلى موافقة مبدئية من الفلسطينيين يتنازلون بموجبها عن حق العودة المطلق والشامل للاجئين، كما رسمت الخطوط العامة لإقامة منظومة دولية، تعوض اللاجئين وتكون مسؤولة عن تخصيص الأموال للدول التي تعيد تأهيل اللاجئين. ومع ذلك، رفضت إسرائيل أن تأخذ على نفسها المسؤولية القانونية والأخلاقية عن وضع ملايين اللاجئين الفلسطينيين وتعرب لهم عن اعتذارها. والفجوة الأكبر بين الطرفين نشأت في مسألة عددية: كم عدد اللاجئين الذين سيسمح لهم بالعودة إلى نطاق إسرائيل؟
استشراف المستقبل
وبناءً على ما تقدم، يمكن استنتاج عدة فرضيات إيجابية تحققها القضية الفلسطينية جراء الثورات الشعبية العربية، وأولها: إن الثوابت الوطنية، كحق العودة، وتقرير المصير، وإقامة الدولة المستقلة اكتسبت زخماً دولياً وعربياً وعادت بقوة إلى الواجهة السياسية بعدما حاولت إسرائيل طوال سنوات تذويبها، ثانياً: الساحة الداخلية الفلسطينية باتت أقوى في مواجهة الضغوطات الخارجية بعد إنهاء الخلافات بين (حماس وفتح)، ثالثاً: مسار سلب إسرائيل لشرعيتها على الساحة الدولية يأخذ حيزاً أكبر مع الوقت، وتزداد حدة الضغط السياسي على حكومة الاحتلال، وبالتالي فهي من جهة تحاول التملص من الضغوطات الدافعة باتجاه استئناف المفاوضات السلمية عبر مبادرات لإدارة الصراع، ومن جهة أخرى تعمل على تعزيز قدراتها العسكرية وإعادة بلورة تصورها الأمني الذي صاغته منذ توقيعها اتفاقية السلام مع مصر.