مركز اريئيل للدراسات السياسية 2000
مقدمـــة
في توازن القوى بين اسرائيل واعدائها نجد ان التفوق العربي محسوم. هذا الامر واضح بالنسبة للارض، السكان، المواد الخام، الوضع الجيوسياسي، ميزانيات الدفاع والوسائل القتالية. هذا الامر صحيح الان وكذلك في كل مستقبل منظور. المجال الوحيد الذي تتفوق فيه اسرائيل بشكل ملموس على اعدائها هو الاحتياطي التكنولوجي - العلمي الذي تملكه وتطبيقه العسكري.هذا الاحتياطي الذي يضاعف قوة كبيرة الاهمية في ارض المعركة المستقبلية سيحسم الحرب القادمة في الشرق الاوسط على ما يبدو.
ذراع الجيش الاسرائيلي العسكري الذي يشكل نموذجا لاستنفاذ اغلبية التفوق التكنولوجي هو سلاح الجو. عدد شباط/ فبراير من مجلة الجينز نشر تقريرا خاصا حول سيناريو الحرب في الشرق الاوسط وفصل فيه افضلية سلاح الجو التكنولوجية. وسنورد فيما يلي مقتطفات من هذا التقرير.
مع ذلك رأينا ان من الصحيح ان نلفت النظر انه ان كان اتجاه التقرير صحيحا ايضا في اساسه فان المؤلف قد بالغ بدرجة غير قليلة في المزايا التي نسبها لسلاح الجو. مثلا ادعى المؤلف (وطرح ذلك كحقيقة قائمة) ان نسبة الطلعات الميزانية لسلاح الجو تفوق بثلاثة اضعاف عدد الطلعات التي ينفذها سلاح الجو الامريكي وبخمسة اضعاف واكثر بالنسبة لاسلحة الجو في الدول العربية. هذا الادعاء الذي يمحو الافضلية الكمية التي توجد لدى العدو مبالغ فيه بالتأكيد (المحرر).
العامل الاهم الذي يؤثر على التوازن العسكري في الشرق الوسط هو قدرة اسرائيل على استغلال التكنولوجيات العسكرية المتطورة وتحويلها الى عامل لمضاعفة القوة. هذان الاساسيان زادا من الاحتياطي العسكري للدولة بدرجة كبيرة. جيش الدفاع الذي ما زال بعد جيشا مدربا جدا في اغلبية مجالات القتال يقف اليوم في رأس الحربة التكنولوجية والتكتيكية وتحول الى قوة تسبق الجيوش العربية بجيل كامل.
أهمية التكنولوجيا
ليس هناك مجال يجسد العلاقة بين التكنولوجيا وبين المضمون العسكري اكثر من تأثير التكنولوجيا على القوة في الجو في الشرق الاوسط. منذ عام 1948 وحتى عام 1973 خلال خمسة حروب كانت اسلحة الجو المعادية الشرق الاوسطية قادرة على العمل في كامل قواها تحت وضح النهار فقط وفي ظروف مناخية مريحة. الطائرات واجهزة السلاح التي امتلكها سلاح الجو الاسرائيلي لم تتفوق في نوعيتها على تلك الموجودة لدى الدول العربية الى ان بدأت اسرائيل تتزود بطائرات الفانتوم (F-N4)
-------------------
والسكايهوك (A-4N) في بداية السبعينيات.
تفوق سلاح الجو الاسرائيلي الحاسم في المعارك الجوية في هذه الفترة نبع قبل كل شيء من الاختيار والتدريب الفائقين للطيارين وعن استخدام تكتيكات تمويه افضل في المعارك الجوية. اثر قدرة الحمل المحدودة جدا والدقة المحدودة في اطلاق ذخيرة الجو - ارض، لم يفلح سلا الجو الاسرائيلي في التوصل لنجاحات منهجية ثابتة بين الاعوام 69 - 1973، اعتمد سلاح الجو الاسرائيلي بالاساس على قدرات ملاحيه حتى يتغلب على شبكات الدول العربية الدفاعية. وكان لسلاح الجو قدرة قيادة وسيطرة (C2) اساسية فقط في المهمات الجوية - الارضية فضلا عن منع عبور مصفحات خارج خط قصف معين تحدد سلفا. كان بقدرتها توجيه ضربة مخططة سلفا ضد شبكة واضحة من الاهداف ولكن لم يكن لديها تقريبا أي قدرة رقابة في اللحظات المناسبة او شبكة (C2) . وفي حرب يوم الغفران اتضح ان بمقدور سلاح الجو الاسرائيلي دمج نشاطاته مع نشاط القوات البرية الاسرائيلية.
حتى عام 1982 حسن سلاح الجو الاسرائيلي الى درجة كبيرة قدرته الفتاكة من خلال التسلح الجوي - البري بالمروحيات، وبدأ في استخدام وبنجاعة الاسلحة الموجهة جيدا.
كذلك طور سلاح الجو الاسرائيلي قدرة كبيرة لشل البطارية المضادة للطائرات المعادية ولكنه كان في ذلك الحين يعمل في وضح النهار وفي حالة جو جيدة ومرتبط باتصالات صوتية، ويعتمد على شبكة ( C2) يديوية متواضعة القوة.
واليوم طرأ على سلاح الجو تغيييرات بعيدة المدى، وذلك في اعقاب ادخال تكنولوجيات حديثة للاستخدام. والان ها هي قوة "ساعر" الموجهة بالحواسيب وذات القدرة على العمل في كل ساعات اليوم والتي تقيم اتصالات جوية برية وتتمتع بقدرة على الرقابة وتقديرات اضرار القصف، والقيادة، والسيطرة والاتصالات ( C3I) في نفس الوقت. حتى بعد ان قلص سلاح الجو الاسرائيلي حجمه واصلت قدرته على التوسع، بعد ان ارتفعت وتيرة طلعاته اليومية، وقدرته على اصابة اهداف موضعية.
ان عمليات سلاح الجو الاسرائيلي تستند اليوم على ابعاد تضاعف من قوة الطائرات والقتال الالكتروني والمخابرات الالكترونية المرتبطة بالشبكة. وكذلك تستند الى مساعدات الطائرات بدون طيار الاسرائيلية التي تعمل من البر والى الصواريخ ايضا. ويبدو ان الطائرات الحربية - الاسرائيلية تستخدم مزيج ناجع من الرادارات واجهزة الاستشعار الالكترونية وصواريخ جو جو وصواريخ ارض - جو.
بين اعوام 1973 - 1982 ضاعف سلاح الجو الاسرائيلي قدرته على تنفيذ طلعات حربية طوال يوم قتالي وزاد بخمسة اضعاف دقته الهجومية في كل طلعة. وبين اعوام 1982 الى 1996 زاد سلاح الجو عدد طلعات في يوم قتالي بـ 40 في المائة. والاهم من ذلك ان سلاح الجو الاسرائيلي زاد باربعة اضعاف قدراته التدميرية بنيران جو - ارض في كل طلعة حتى بعد ان انخفض عدد الطائرات الحربية الموجودة في الخدمة الفاعلة بـ 20 في المائة تقريبا. في عام 1997 كان سلاح الجو الاسرائيلي يستطيع ان يخرج بطلعات قصف يومية اكثر مما كان عليه عام 1973 بثلاث مرات. وفي تقديرات حذرة تقدم كل طلعة نتائج قتالية اعلى بـ 17 ضعفا ضد اهداف ميدانية.
وهذا الارتفاع في النتائج يستند الى اضافة 20 في المائة فقط من الطائرات الحربية التي تعمل في ايام السلام. من المهم الاشارة الى ان لسلاح الجو اليوم قدرة قتالية في كل ساعات اليوم وقدرة متزايدة لتنفيذ مهام في كل الحالات الجوية وكذلك ثمة قدرة لمهاجمة اهداف موضعية والتسبب بخسائر فادحة.
هذه النتيجة تؤكد تأثير التكنولوجيا وكيف تفرغ عمليا مضمون الارقام الجافة التي تستخدم بصورة عامة لتقديرات القوة "الصافية". والاكثر من ذلك، اتضح ان لشراء تكنولوجيا التي تندمج بعد ذلك في اسلحة او اجهزة معينة اهمية اقل بكثير من قدرة دمج التكنولوجيات المختلفة في اجهزة مندمجة.
ونتيجة لذلك، فان التأثير الكبير جدا للميزان العسكري في الشرق الاوسط في العقد الاخير كان من نصيب الصناعات الالكترونية لاسرائيل التي يوجد بها العديد من الفنيين والعلماء القادرين على تطوير برامج للاستخدام العسكري المميز.
التوازن العسكري الحالي
ان وتيرة الانطلاق لطلعات الطائرات التي يقودها طيارون تختلف الى درجة كبيرة من سلاح جو الى آخر، ولكن التقديرات هي ان سلاح الجو الاسرائيلي يتمتع بمستوى مرتفع جدا من الجاهزية. ان جزء كبير جدا من الطائرات الميدانية لسلاح الجو الاسرائيلي موجودة في خدمة عملية للاسراب المختلفة خلافا لمعظم اسلحة الجو في حلف الناتو.
ووتيرة الطلعات الثابتة المخططة اليوم من قبل سلاح الجو الاسرائيلي تتراوح بين 4 - 7 طلعات ميدانية يوميا وهذا مشروط بنوع الطائرات. لقد تمكن سلاح الجو من الوصول الى هذه الوتيرة العالية من خلال مضاعفة النسبة بين الطواقم الجوية والطائرات من 1.5 تقريبا الى 2.5 منذ بداية سنوات الثمانين. الامر الذي مكن السلاح من استغلال كامل مزايا طائراته الجديدة، القادرة على العمل في كل ساعات اليوم. وللمقارنة فان الجيش الامريكي وصل الى 1.25 طلعة للطائرة الحربية في يوم قتالي اثناء حرب "عاصفة الصحراء" رغم ان احدى التفسيرات الجزئية لهذه الحقيقة هي ان المهام التي كلفت بها اسلحة الجو للحلفاء اجبرتهم على تنفيذ طلعات بعيدة المدى.
والاستغلال اليومي لكل انواع الطائرات الحربية الامريكية كان اربع الى ست ساعات يوميا. ووتيرة طلعات طائرات AV - 8B لسلاح المظليين، التي انطلقت من البر وخرجت في طلعات قصيرة المدى من قواعد امامية، بدون تزود بالوقود جوا، تعتبر اساسا جيدا للمقارنة. في مرحلة الهجوم البري وصلت وتيرة طلعات AV - 8B الى ذروتها بـ 2.6 طلعة للطائرة في اليوم - نحو ثلث الوتيرة الثابتة المخططة لطائرة اف 16 الاسرائيلية. ووتيرة الطلعات في اسلحة الجو العربية كانت اقل بكثير دائما وابدا: حيث وصلت الى متوسط اقل من طلعة واحدة للطائرة الميدانية لليوم في الحروب السابقة . وهذه الوتيرة تعبر عن حقيقة انهم يستخدمون الطائرات الحربية في حالة جو مريحة، والنسبة بين الطيارين والطائرات متدنية لديهم ومستوى الصيانة منخفض وثمة نسبة عالية من التآكل في المعارك وبسبب الحوادث.
ان الدخول الناجح عبر الشبكات الدفاعية المضادة للطائرات المعادية مشروط بقدرة المهاجمة على شل شبكة الصواريخ للعدو وابطال مفعول الطائرات القاصفة واطلاق النار بثقة وبدقة، بدون الانكشاف الزائد لمصادر نيران العدو.
في حرب 1982 في لبنان فقد سلاح الجو الاسرائيلي 0.0013 طائرة في كل طلعة مقابل نسبة خسارة 0.3 طائرة لكل طلعة في سلاح الجو السوري. والفرق البارز في وتيرة التآكل عبرت عن التفوق الكبير لسلاح الجو الاسرائيلي في المعارك الجوية حين كان "سعر التبادل" آنذاك صفر مقابل 112 لصالحه منذ 1977، وكذلك عبرت عن قدرته المؤكدة في شل شبكة الصواريخ السورية. ثمة لاسرائيل اجهزة رقابة ارضية، جوية، اقمار اصناعية مندمجة تمكن من تحديد حجم القوة الالكترونية للعدو بمساعدة اجهزة اطلاق نار دقيقة في اللحظة المناسبة. وسلاح الجو الاسرائيلي يستخدم صواريخ ارض - ارض "ستاندرد" وصواريخ "شرايك" من مرحلتين طويلتي المدى، مضادة لمصادر الاشعاع (ARM). وسلاح الجو ايضا يستخدم الطائرات بدون طيار "هارفي" المضادة لاجهزة الانذار، وصاروخ الجوالة "ستار" طويل المدى وكذلك صواريخ "شرايك" و "ستاندرد" و "هارم" المحسنة لشل مصادر البث الالكتروني المغناطيسي. وكذلك يستخدم سلاح الجو الاسرائيلي طائرة شراعية من نوع "سمفسون" يرسل من الجو ويشبه "دليله" الذي يطلقه من الارض او الجو من اجل بلبلة العدو.
الطائرات الاسرائيلية مزودة ايضا باجهزة متطورة جدا مندمجة بالدفاع الذاتي. مثلا طائرات اف 16 سي.دي الاسرائيلية مزدوجة باجهزة رادار للانذار المبكر مركبة في ذيل الطائرة لاكتشاف الاخطار. ومثل هذه الاخطار تصطدم تلقائيا بوسائل مضادة داخلية. والتقديرات هي ان سلاح الجو الاسرائيلي يستخدم اليوم طائرات حربية مدربة على خوض معارك جوية، تعتبر من افضل الطائرات في العالم وفي شل أجهزة الرادار.
والطائرات الاسرائيلية قادرة بصورة عامة على حمل كميات كبيرة جدا من الشحنات يمكن اطلاقها في كل طلعة، بالمقارنة مع معظم الطارات العربية. وهذا المضمون يعبر عن حقيقة ان سلاح الجو الاسرائيلي يميل، في معظم الاحوال الى تعطيل طائرات اكبر، قادرة على الاقلاع بوزن اجمالي كبير. وقد رفع سلاح الجو من الوزن الاجمالي لطائراته ليتجاوز الارقام المألوفة في اسلحة الجو الاخرى. مثلا طائرات الـ اف 16 الاسرائيلية، قادرة على العمل في وزن اجمالي يصل الى 23.590 كيلوغرام أي اعلى 4.30 كيلو غرام من طائرات الفالكون في اسلحة جو اخرى. ومعنى ذلك هو ان الشحنة الخارجية اكبر بكثير.
ان اسطول سلاح الجو الاسرائيلي كله مزود باجهزة رؤيا متقدمة تمكن من قصف الاهداف بدقة تفوق دقة طائرات سلاح الجو العربية بستة اضعاف. وبعض الطائرات الاسرائيلية تستطيع اليوم ان تلقي قذائف بدون اجهزة رؤيا وذلك بمساعدة الرادارات. ولا يملك العرب أي طائرة هجومية بنفس كفاءة طائرتنا في الليل وفي كل الاحوال الجوية.
ومعنى ذلك هو انه في حالة القاء قذائف على اهداف ميدانية فان قدرة طائرات اف 16 سي الاسرائيلية التدميرية تكون اكبر بـ 15 - 20 مرة من طائرات بي - 5 - إف الاردنية او ميغ 1 السورية. اضافة الى ذلك فان اجهزة توجيه الهجمات المتقدمة، تمكن الطيارين من تشخيص الاهداف بسرعة اكبر والمناورة بصورة اكثر جرأة قبل اطلاق القذائف.
وهذه الامكانيات تقلص، الى درجة كبيرة، امكانية اصابة الطائرة. في كل ما يتعلق بالاهداف الموضعية الصعبة فان مقياس جدوى الطلعات هو عدد الاصابات في كل طلعة. وهذا المقياس يصل الى صفر بشأن طائرة هجومية ليس لديها جهاز توجيه متقدم وهى تلقى بالقذائف بصورة عشوائية. ومن أجل المقارنة فان في الطائرات الهجومية المتقدمة المزودة باجهزة توجيه محكمة مثل اف 16 دي و "فانتوم 2000" او اف 15آي لسلاح الجو الاسرائيلي توقع عددا كبيرا من الاصابات في كل طلعة. وهذا منوط بنوع الذخيرة التي تحملها الطائرة ونوع ا لهدف المهاجم.
* * *