جاء إضراب الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية ليعيد تذكير العالم بأصحاب هذه القضية التي كادت تنسى بسبب جملة أسباب داخلية وخارجية، منها: الجمود الذي يلف القضية الفلسطينية بشكل عام وتعثر عملية السلام، وما تشهده المنطقة من هزات متتالية بفعل الثورات وتتابعاتها.
ولقد جاء الحراك من الأسرى بعدما يأسوا وخابت ظنونهم من إيجاد حل عادل لقضيتهم سواء أكان ذلك عبر المفاوضات السلمية أم المقاومة. فاستفردت قوات الاحتلال في الأسرى داخل السجون المعلنة منها والسرية، فضيقت الخناق عليهم، وحرمت المرضى منهم من العلاج، والطلبة من أكمال دراستهم، بالإضافة إلى تنفيذ سياسة التفتيش العاري ومنع العائلات في قطاع غزة من زيارة أبنائها المعتقلين".
دق الأسرى جدران زنزاناتهم طوال الفترة الماضية، وحين لم يسمعهم أحدا، اضربوا عن الطعام ليختاروا الحرية أو الموت. فقرار البدء في الإضراب لم يكن سهلاً، حيث يحمل في طياته الكثير من المخاطر الصحية والنفسية على الأسرى، فالجوع مؤلم، لكن المهانة والذل يؤلمان أكثر، لذلك تحول الأمر إلى حرب إرادات، إرادة السجان في مواجهة إرادة الجلاد.
ويبدو انتصار الأسير عدنان خضر على السجان بعدما خاض 66 يوماً من الإضراب عن الطعام ولم يتوقف إلا بعدما اجبر الاحتلال على التوقيع على اتفاق بعدم تمديد اعتقاله الإداري من جديد، أوقد -على ما يبدو- شعلة التحدي والصمود في قلوب إخوانه في الزنازين وغرف الاعتقال في السجون الإسرائيلية، وفي لحظة معينة، بات السؤال المركزي، ليس هل تستجيب إسرائيل لمطالب الأسرى المضربين، بل هل ينجح هؤلاء الشبان الذين يزيد عددهم في السجون الإسرائيلية عن 4000 في إنهاء سياسة عجرفة القوة التي ينتهجها المحتل منذ 64 عاماً بعدما فشل الساسة الفلسطينيين في تحقيق ذلك؟
لقد لمس المتابعون لإضراب الأسرى أن الحسابات الإسرائيلية تم إرباكها، فلطالما عمل الاحتلال على تصوير المعتقلين الفلسطينيين بأنهم "إرهابيون" لا يستحقون الحياة، وهي صورة عمل الإعلام الإسرائيلي طوال العقود الماضية على تعزيزها في عقول العالم الغربي، لكن إضراب الأسرى جاء ليكشف زيف هذه الإدعاءات ويثبت للعالم اجمع أن هؤلاء ليسوا إرهابيين بل مقاومين يدافعون عن شرفهم وأرضهم وعروبتهم.
إن معركة الأمعاء الخاوية نجحت في قلب الموازين، فأصبح السجان سجين الأسير.
لكن لا يجوز في أي حال من الأحوال أن تبقى قضية الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية موسمية أو موجة عابرة وان لا تظل الفعاليات المساندة لها فصائلية بحته، بل يجب توحيد كافة الجهود الفلسطينية والعربية، واستنهاض همم الجماهير ودفعها للمشاركة في مسيرات التضامن الشعبية، وتوحيد الجهود الإعلامية على المستوى الفلسطيني والعربي لفضح الاحتلال وجرائمه بحق الأسرى وإزالة الصورة الضبابية التي نسجها الإعلام العبري في أذهان العالم الغربي على مدار العقود المنصرمة.
ونصرة الأسرى تتطلب من الفصائل الفلسطينية الإسراع في الوحدة والتعجيل في المصالحة، لأن الوحدة تقوي أمل الأسرى في الحرية وقرب النصر، علماً أن إضراب المعتقلين وفر القاعدة الأساسية للوحدة الوطنية، إذ اكتشف الجميع على الساحة الفلسطينية أن ميدان المواجهة مع العدو يتأتى من خلال التماسك الداخلي ووضع الخلافات الجانبية جانباً، فالكل متفق على الهدف هو تحرير الأرض والاختلاف فقط على الوسيلة المثلى لتحقيق ذلك، والجميع لدى قادة إسرائيل سيان حين يتعلق الأمر في رفض الاحتلال وغطرسته.
لقد أعاد الأسرى الصورة البهية للشعب الفلسطيني بعدما شوهتها نيران الاقتتال الداخلي بين حركتي فتح وحماس، علما أن إسرائيل راهنت على حالة الانقسام الفلسطيني وعدم توحد الأسرى في مواجهة إجراءات السجان، لكن هذا الوضع تغير عندما قرر الأسرى خوض الإضراب في خندق واحد لا فرق بين ابن هذا الفصيل أو ذاك.
وأخيرًا، نعم، قد لا ينجح الاضراب في اطلاق سراح الأسرى، لكن ذلك لا يعني العودة لحالة التناسي والصمت، فلا بد من إبقاء هذه القضية على رأس العمل الوطني للقيادة والفصائل، فهؤلاء الأسرى ضحوا في زهرة شبابهم من أجل الوطن، ويستحقون مكافأتهم على جهودهم لا أن يتركوا لوحدهم في مواجهة السجان.
وقبل الختام لا بد من توجيه اللوم لوسائل الإعلام العربية التي لم تقدم الاهتمام اللازم لقضية الأسرى، فلا تتناول قضيتهم إلا في المناسبات، رغم أن وسائل الإعلام الإسرائيلية والعالمية وتبعتها العربية انشغلت على طوال 4 سنوات بقضية الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، فهل قضية الحرب في السودان أو العنف في سوريا أو الانتخابات في ليبيا أهم من حياة نحو 5 ألاف أسير فلسطيني يذوقون يومياً أقسى أنواع الذل والهوان على يد السجان.
وهل يخشى الإعلام العربي غضب إسرائيل ويتساوق معها في تهويد الأرض والإنسان الفلسطيني، وفي هذه الحالة من سينبه العالم إلى أن الاحتلال قام بسحب الملح من الزنازين والذي يستعمل من قبل الأسرى لمنع تعفن معدهم الخاوية؟
