Wednesday, May 28, 2014

ضربة عسكرية أميركية قارية ضد إيران..الإمكانيات والعوائق


رغم التقارب الحاصل بين ايران والولايات المتحدة في عهد اوباما وروحاني إلا ان هذه المعادلة قد تتغير مع تبدل القيادة في احدى الدولتين، ولا نماري هنا، إذا ما قلنا إن القدرات العسكرية هي الناظم الوحيد والحاكم لمحددات العلاقات الدولية في العالم، وهذا ما يخبرنا به علم السياسة، والشواهد التاريخية أيضا.
وأميركا إن كان تتحدث بلسان السياسة فانها في الوقت ذاته تدرس تحت الطاولة الخيار العسكري وإمكانية تنفيذه ضد إيران في حال رفضت الأخيرة وقف برنامجها النووي. 
إن تنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران تحكمه التعقيدات والتشابكات وعلاقات إيران الدولية، وهو ما تدركه الولايات المتحدة الأميركية تماماً لذلك عملت خلال السنين الأخيرة على إجراء تعديلات على قدرتها في إفشاء القوة، وتنفيذ هجوم عالمي قاري، من خلال الطائرات والصواريخ عابرة القارات والغواصات، ويربط الكثير من المحللين والخبراء العسكريين بين عدد حاملات الطائرات الأميركية في الخليج، وقرب توجيه ضربة عسكرية لإيران، ولا يمكننا إنكار قوة هذه العلاقة الطردية، ولكن ما يتم تجاهله، هو قدرة الولايات المتحدة على توجيه ضربة عسكرية من خلال الاعتماد على قواتها الموجودة على أراضيها نفسها، مع الاستعانة بوسائل قتالية سيتم اللجوء إليها بمجرد أن تطلق النار فقط.
وإن عملية كهذه ستوجه ضد أهداف إيرانية محددة ومفصلية، بحيث سيكون قبل كل شيء إصابة الأهداف النووية في إيران والتي اغلبها مستقرة ومحمية، وتوجد خارج التجمعات السكنية وبعضها تحت الأرض من اجل جعل إصابتها صعبة. وبإلقاء الضوء على قدرات الولايات المتحدة العسكرية الحالية يتضح أن إجراءا عسكريا ممكنا مضادا لهذه الأهداف يمكن أن يتم في أكثره على أيدي قوات تعمل من داخل الولايات المتحدة، مع قوات تُنشر سرا في منطقة الخليج العربي، بعيدا عن نظر وسائل الإعلام.
ماذا تمتلك واشنطن لتنفيذ هجوم قاري؟
أما فيما يتعلق بجوهر القوة الهجومية التي يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليها لتنفيذ مثل هذا الهجوم، فيمكن تبيانها من خلال الآتي:
1- قاذفات شبح من طراز بي– 2إي وتواجد قاعدتها توجد في ولاية ميزوري، ولهذه القاذفات قدرة عالية على التدمير كونها تحمل 8 قنابل اختراق تزن كل منها ما يقارب طنين، كما باستطاعتها حمل قنبلة الاختراق المعروفة باسم "موب" وتزن ما يقارب 15 طناً، وتشير التقارير إلى أن الصناعات العسكرية الأميركية تجري تطويرات على هذه القنبلة بحيث يتوقع دخولها للخدمة خلال الفترة القريبة القادمة. وحسب احصائيات غير رسمية يملك سلاح جو الولايات المتحدة 21 قاذفة بي– 2إي. ومع الافتراض أن ثلثيها فقط قابل للإعمال في كل لحظة مفترضة، فأن الحديث يدور في هذه الحالة عن قدرة هجومية في الوقت نفسه على أكثر من 100 نقطة لأهداف محمية جيدا، مثل مصنع آلات الطرد المركزي في نتانز.

ومما قد يزيد من فعالية القاذفات الأميركية المدمرة، سيطرت الولايات المتحدة الأميركية على الأجواء في أفغانستان والعراق، بحيث لا يكون الهجوم جميعه من جهة الخليج، أي من جنوب غرب إلى جنوب شرق، كما يمكن أن يتوقع الإيرانيون. يمكن تخطيط مسارات اختراق بحيث يصل جزء من القوة من الشرق، وجزء من الغرب بل أن يكون ذلك في مسارات تصل من الشمال خاصة لا من الجنوب. ومعنى ذلك أن إيران قد تجد نفسها مهاجمة في الآن نفسه من عدة جهات.
2- صواريخ توماكهوك: أدخل هذا النوع من الصواريخ للخدمة عام 1991، ولكن في عام 2004 أجريت عليه تعديلات وتطويرات، وبات هذا الجيل الجديد يتمتع بقدرة اتصال ثنائية الاتجاه، بشكل أدق بات يبث ويتابع بواسطة الأقمار الصناعية، بحيث تظهر صورة الهدف في الثواني التي تسبق إصابته، كما باستطاعة المتابعة تحديد 15 هدفاً ممكناً للصاروخ، ويمكن إجراء هذا التحديد والصاروخ في الجو من خلال إعلامه عن هدف جديد طارئ.
بمعنى أن أي في سيناريو تطلق فيه عدة صواريخ نحو النقطة نفسها من أجل ضمان تدميرها، إذا تم الحصول على معلومات تقول إن الهدف قد دمر فأنه يكون من الممكن تحويل سائر الصواريخ إلى مهاجمة أهداف بديلة. وعلى نحو مشابه إذا لم يصب هدفا مهما، فسيكون من الممكن أن تخصص في زمن ملائم صواريخ أخرى تهاجمه، على رغم أنه قد حددت لها في الأصل أهداف أخرى. 

3- إلى جانب المرونة العملية للطراز الجديد من صاروخ توماكهوك يشير الخبير الأمني الإسرائيلي نوعام أوفير وهو عضو في فريق البحث في معهد أبحاث الأمن القومي إلى أنه طرأ تغيير مهم آخر على قدرة استعمال الصواريخ البحرية، بحيث تستطيع غواصتا ترايدنت تصلان الخليج العربي سرا أن تطلقا في غضون نحو ست دقائق ما يزيد على ثلاثمائة صاروخ بحري. 

ومن اجل الموازنة، قوة المهمات البحرية التقليدية مزودة بـ 120 إلى 180 صاروخا بحريا، مقسمة على عدد كبير من القطع البحرية. أي أنه يحتاج إلى عشرات القطع البحرية من أجل الحصول على قوة نار تساوي قوة غواصتين. وقوة كهذه أشد قبولا للإصابة، وبخاصة في حلبة مزدحمة نسبيا كالخليج العربي وفي مواجهة خصم كإيران، التي بذلت كثيرا للتزود بصواريخ بعيدة المدى مضادة للسفن. 

ان عمل الإطلاق من غواصات ترايدنت أسرع كثيرا من ذاك الذي يتم من قوة بحرية عادية، حتى زمن الانكشاف يقصر حتى يصبح دقائق معدودة تغادر بعدها الغواصات المنطقة. والى ذلك فان إطلاق مئات الصواريخ البحرية في الآن نفسه يجعل جهود الخصم في الدفاع عن نفسه صعبة. وأن وضعا تهاجم فيه إيران بقاذفات بي– 2إي وبثلاثمائة صاروخ بحري تأتي من جميع الاتجاهات سيجعل من الصعب على قوات الدفاع الجوي لها أن تدافع عن نفسها بنجاح. لا كحال القاذفات التي ستضطر إلى اجتياز المجال الجوي لعدد من الدول، يمكن إطلاق الصواريخ البحرية بغير حاجة إلى تنسيق ذلك مع دول أخرى. 

العوائق والعراقيل
أما فيما يتعلق بالعوائق والعراقيل التي تواجهها الولايات المتحدة الأميركية لتنفيذ مثل هذا الهجوم القاري ضد إيران، فأهمها أنه لا يمكنها أن تستخدم صواريخ عابرة للقارات، لسبين، أولهما أن جميع الصواريخ العابرة للقارات الموجودة اليوم عند الولايات المتحدة مزودة برؤوس نووية، وحتى إذا تمكنت من وضع رؤوس تقليدية، فهناك خوف أن تتعرّف نظم الإنذار المبكر لدول كروسيا أو الصين هذا الإطلاق، ولكن ألا تعلم هل الحديث عن صاروخ تقليدي أو نووي.
ومن اجل منع الوضع السابق، أُثير عدد من الحلول الممكنة. أسهل حل هو إعلام روسيا مثلا قبل وقت بإطلاق الصواريخ. لكن الأمر قد يكشف عن الهجوم ويضر بذلك باحتمال نجاحه. تشتمل حلول ممكنة أخرى على نصب صواريخ عابرة للقارات تقليدية في مواقع مفصولة عن مواقع الصواريخ الذرية أو إطلاقها في مسارات طيران مختلفة، ولكن صوت المعارضون في الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى لفكرة تحويل الصواريخ العابرة للقارات لأداء مهمات تقليدية أقوى من صوت من يؤيدون ذلك. ويعارض الكونغرس معارضة شديدة الانفاق على برامج بحث وتطوير في المجال ويمنع أي محاولة لتخصيص أموال لذلك، وكذلك المشروعات التي تُعرّف على أنها فحوص جدوى. هكذا مثلا يتم صراع عاصف على طلب الأسطول الأميركي تزويد عدد ما من صواريخ ترايدنت 2 برؤوس تقليدية.
وهكذا يمكن القول ان موضوع توجيه ضربة عسكرية أميركية ضد إيران تحكمه بالمقام الأول كيفية الحصول على المعلومات الدقيقة عن أماكن الأهداف الإيرانية، هذا فيما إذا علمنا إن معظم التقارير تشير لفقر في المعلومات الاستخبارية التي تمتلكها واشنطن عن المواقع النووية الإيرانية، كذلك هناك حاجة للإجابة على سؤال، وهو ما هي قدرة الولايات المتحدة على التعامل مع مسألة الرد الإيراني؟ وبخاصة أن إيران بيديها الكثير من أوراق اللعب الضاغطة، فالعديد من الاهداف الاميركية في الخليج في مرمى صواريخ إيران، وكذلك قد تلجأ طهران لإغراق إسرائيل بالصواريخ، وكذلك إغلاق مضيق هرمز وتعرقل عملية تصدير نفط الخليج ما يعني رفع أسعار النفط بحيث يتوقع وصول سعر البرميل أكثر من مئتي دولار، وهو ما سيشعل ضجة عالمية ضد الولايات المتحدة الأميركية.
وهناك سؤال هام أيضا يتوجب على الخبراء في الولايات المتحدة الإجابة عليه قبل تنفيذ مثل هذا الهجوم أو غيره، وهو هل العمل العسكري وحده، سواء أكان على حسب المخطط الذي وصف هنا أم على حسب مخطط آخر، سيستطيع أن يوقف سعي إيران إلى الحصول على القدرة النووية؟