"نتيف" - مركز إرئيل للدراسات السياسية.
العدد 1 (72) - كانون الثاني 2000 .
السلاح الكيماوي والبيولوجي في سوريا *
بقلم: داني شوهم
توطئة:
سوريا تجسد اكثر من اية دولة عربية او اسلامية اخرى فقدان القدرة النووية التي يتوجب حسب وجهة نظرها التعويض عنها بواسطة تطوير سلاح كيماوي وبيولوجي كتوازن قوة استراتيجي - عسكري غير تقليدي في الحد الادنى في مواجهة اسرائيل.
ولكن من الواضح ان التسلح غير التقليدي في البلاد العربية وايران يشكل دافعا قويا لسوريا وبلا علاقة مع اسرائيل ذاتها. كما ان لتركيا هي الاخرى كدولة عظمى اقليمية مجاورة حليفة لاسرائيل اسهامها غير المباشر في هذه القضية.
مساعي سوريا في الحقل البيوكيماوي بدأت عشية حرب الغفران حيث تسلحت بالسلاح الكيماوي الذي حصلت عليه من مصر. بعد ذلك قفزت المساعي عدة درجات اثر احداث اقليمية: معاهدة السلام بين مصر واسرائيل، حرب سلامة الجليل، كشف النقاب عن قدرة اسرائيل النووية، انكشاف قدرات العراق البيوكيماوية والتحالف الاستراتيجي السوري - الايراني.
منذ ان بدأ التآكل في قدرة العراق النووية في حرب الخليج شرعت سوريا بالبروز كدولة ذات قدرات كيماوية هجومية متطورة جدا (كما ونوعا) في صفوف الدول العربية وبالمقارنة مع ايران ايضا، سوريا تميزت ضمن مفاهيم الجودة خلال العقد السابق حتى بالمقارنة مع العراق الذي امتلك السلاح الكيماوي الاكبر حتى حرب الخليج.
لا شك ان قوة العراق هذه وكذلك النظرة للاحتياجات الاستراتيجية في مواجهة اسرائيل كانت بين العوامل التي دفعت الى تعاظم قوة سوريا في المجال الكيماوي - البيولوجي. هذه القدرة مضافة الى قدرتها البالستية تعتبر في نظر سوريا عاملا مركزيا في مجمل قدرتها العسكرية الاستراتيجية ولذلك تخصص له جهدا كبيرا.
وتيرة تعاظم قوة سوريا الحثيثة في مجال السلاح الكيماوي خلال العشر سنوات الاخيرة جعلتها تتقدم فيه على مصر التي كانت قبل عقد صاحبة القدرة الكيماوية الهجومية الاكبر في صفوف الدول العربية رغم ان الصدى الاعلامي لقدرة سوريا الكيماوية الهجومية كان وما زال ضعيفا جدا وحتى مضللا بالمقارنة مع دول عربية اخرى كايران
كاستمرارية لتزودها بالسلاح الكيماوي بدأت سوريا بالتزود بالسلاح البيولوجي ذو القدرة الاستراتيجية الكبيرة كسلاح ابادة جماعية. هذا الاستعراض يتمركز حول الامور التي جرت في سوريا في الخمس وعشرين سنة الاخيرة سواء في تطور النظرة الاستراتيجية للسلاح الكيماوي والبيولوجي او في التزود به من مصدر مصري اولا ومن مصادر مستقلة لاحقا.
الى جانب ذلك سنقوم باستعراض مساعي سوريا لانتاج السلاح الكيماوي والبيولوجي واجهزة اطلاقه ذاتيا والمساعدة الخارجية التي حصلت عليها لهذا الغرض (من غرب اوروبا والهند وروسيا والصين وكوريا الشمالية) وكذلك التعاون الاستراتيجي القوي مع ايران.
الموجه النظري
براعم التوجه السوري للسلاح غير التقليدي ظهرت ابان عملية استعدادها الاستراتيجي (الى جانب مصر) في اطار التأهب لحرب يوم الغفران التي أعطت مصر في اطارها لسوريا سلاحا كيماويا. هذه الخطوة كانت متطرفة واتخذت كعنصر حيوي من عناصر استعدادهما الاستراتيجي المشترك لهذه الحرب المباغتة واستندت الى الاتفاق في الآراء الذي ساد بين القادة.
بذلك تملكت سوريا للمرة الاولى في تاريخها قدرة كيماوية هجومية ترتكز على الخردل وعلى السارين. الاسلحة التي تضمنت هذه الغازات القتالية وقذائف المدفعية والجوية أفسحت المجال امام استيعابها لاغراض تكتيكية بل واستراتيجية وكانت هذه المرة الاولى التي ينتقل فيها السلاح الكيماوي من دولة عربية الى اخرى.
سوريا تزودت بالسلاح الكيماوي كخطوة تمهيدية وربما ضرورية لحرب يوم الغفران. السؤال ان كان لديها الاستعداد لاستخدامه في ظل تطور الحرب ليس واضحا بما فيه الكفاية، بالامكان الافتراض ان السلاح الكيماوي كان خلال الحرب جاهزا للاستخدام الا انه لم يستخدم على ما يبدو لان سوريا لم تتورط في ضائقة حادة تبرر ذلك حسب رأيها، ولقد بدى واضحا عزمها على عدم استخدام السلاح حتى لاستكمال مهمة القوات السورية الاولية الضرورية وهي احتلال هضبة الجولان.
بعد حرب يوم الغفران التي مني فيها الجيش السوري في واقع الامر بالفشل رغم تفوقه الساحق في البداية، لا بل ووقعت دمشق تحت التهديد الملموس، تعززت توجهات الرئيس السوري بوجوب حيازة قدرة استراتيجية مستقلة. وكان واضحا مع ذلك تمام الوضوح ان سوريا لن تستطيع انشاء بنية تحتية لتطوير السلاح النووي في المستقبل المنظور.
لهذا السبب وبسبب معرفة قيمة السلاح الكيماوي والبيولوجي بلور الاسد نهجه الذي عرف بعد حين باسم "نظرية التوازن الاستراتيجي" (في مواجهة اسرائيل). هذا التوجه الذي رمى بالاساس الى تمكين سوريا من المواجهة المتوازنة دفاعيا وهجوميا ضد اسرائيل من الناحية الردعية الاستراتيجية ومن الناحية العسكرية الفعلية على حد سواء، يضفي وما زال على حقيقة وجود السلاح الكيماوي والبيولوجي بيد سوريا اهمية مركزية.
لذلك كرست سوريا جهودا متواصلة للمسألة حتى بعد تقادم السلاح الكيماوي الذي حصلت عليه من مصر في مساري تسلح ذاتي اساسيين - قنابل جوية ورؤوس متفجرة تحتوي على غاز الاعصاب والسلاح البيولوجي لاحقا.
هذا التوجه وجد تعبيره في عام 1975 من خلال النشرة العسكرية السورية مجسدا في مقالة امين انفوري نائب رئيس الاركان السوري المتقاعد الذي أيد وجود السلاح الكيماوي والبيولوجي بحوزة سوريا، في عام 1977 اضاف رئيس ادارة الحرب البيولوجية الكيماوية بأن الجيش السوري يعترف بأهمية السلاح الكيماوي البيولوجي ويعد نفسه لهذا النوع من الحرب.
بعد ان انتشر امر وجود السلاح الكيماوي بحوزة سوريا (1984) نشر الكولونيل السوري المتقاعد باسم اسحيتا مقالة أكد فيها وجود السلاح الكيماوي بحوزة سوريا. بعد نشر المقالة المذكورة ظهرت تلميحات علنية حول وجود السلاح غير التقليدي بحوزة سوريا. في كانون الثاني 1987 ذكر الرئيس حافظ الاسد في مقابلة مع صحيفة "القبس" الكويتية بأن سوريا تسعى لتوفير رد تكنولوجي يشكل ردا مباشرا على السلاح النووي الاسرائيلي.
بعد عدة اشهر في ايار 1988 اضاف راديو دمشق بقوله ان لدى سوريا رد على التهديد النووي الاسرائيلي لا بل ومن الممكن ان يتفوق عليه قوة، بعد سنة في الذكرى الـ 43 لتأسيس الجيش السوري ذكر رئيس الاركان حكمت الشهابي بأن سوريا تشعر بالرضى من الانجازات في مجال التوازن الاستراتيجي وان بحوزتها سلاح رادع ضد السلاح الفتاك جدا الذي تملكه اسرائيل.
هذه التصريحات تهدف لتأكيد وجود السلاح الكيماوي بحوزة سوريا وهي تنطوي على التلميح بوجود سلاح بيولوجي في طور التطوير لان السوريين نظروا للسلاح البيولوجي كسلاح يفوق في تأثيره العام السلاح النووي.
في صحيفة "القبس" نشرت تقارير اخرى تتساوق مع تلميحات الشهابي والاسد وجاء فيها ان لسوريا الحق في التزود بالسلاح غير التقليدي المتنوع بما يتجاوز السلاح الكيماوي ويتعداه.
توجه الاسد لمشروعية تزود سوريا بالسلاح الكيماوي اصبح ناضجا، فقد ذكر في محادثته مع السناتور ماك - كين في كانون الثاني 1989 ان تزود بلاده بالسلاح الكيماوي هو تصرف معقول تسير سوريا وفقه، فاروق الشرع وزير الخارجية السوري الذي كان ممثل الاسد في مؤتمر تفكيك السلاح الكيماوي البيولوجي ألمح في ذلك الوقت بأن التوجه السوري مشروع، في مقابلة مع صحيفة "ليموند" قال الشرع ان سوريا مستعدة للتعهد بتدمير سلاح الابادة الجماعية بكل اشكاله اذا تعهدت اسرائيل بذلك.
هدف التسلح بالسلاح الكيماوي كان ردع اسرائيل التي يدعى بوجود قدرات غير تقليدية لديها. في مؤتمر باريس أكد الشرع ضرورة تدمير كل سلاح الابادة الجماعية خصوصا في الشرق الاوسط. ودعا الى المشاركة الشاملة في المفاوضات حول المعاهدة الكيماوية، وأكد الحاجة الى ضمانات كافية للدول التي تفتقد لاسلحة الابادة الجماعية ولاقناع الدول التي تمتلك هذه الاسلحة بضرورة التنازل عنها.
لا شك ان هذا الموقف السوري جاء من اجل خدمة صورة سوريا في الرأي العام وكورقة مساومة، محاولة سوريا الوحيدة لمعارضة الادعاءات بأن سوريا تقوم بانتاج السلاح الكيماوي تبرز في هذا السياق باعتبارها الاستثناء عن القاعدة الذي يبرهن عن القاعدة ذاتها.
سوريا عملت من اجل تبني الدول العربية لموقفها السلبي تجاه المعاهدة الكيماوية وعلى مستوى الجامعة العربية، ويبدو ان جهودها هذه لا تقل عن جهود مصر بطريقتها الخاصة وبدون العلنية التي ميزت التحرك المصري.
هذه القضية برزت في كانون الاول 1992 بعد اسابيع من توقيع المعاهدة حيث ادعت سوريا ان ما سيشجع الدول العربية على التوقيع على المعاهدة سيكون تجسيد الحاجة للعمل على ضمان توقيع اسرائيل على اتفاق حظر نشر السلاح النووي وان "سوريا لن توقع في الوضع الحالي على المعاهدة الكيماوية لانها لن توافق على تعريض نفسها للتهديد الاسرائيلي غير التقليدي".
في كانون الثاني عندما وقعت معاهدة السلاح الكيماوي أعطى الاسد تعبيرا آخر لرفض سوريا الانضمام للمعاهدة اذ ادعى في مقابلة مشتركة مع مبارك بأن الاقتراح الموجه للدول العربية بالانضمام الى المعاهدة ما هو الا قيد. لان طرح قضية السلاح البيولوجي بدون طرح السلاح النووي غريب ولا اساس له.
سوريا تستخدم السلاح الكيماوي كرافعة للمطالبة بابادة السلاح النووي الاسرائيلي، التعبير الآخر على ذلك موجود في معارضة سوريا لمطلب واشنطن بأن تتعهد سوريا في اطار مفاوضات السلام بازالة سلاحها غير التقليدي. هذا التوجه السوري اخذ يتعزز في موازاة موقف مصر ومن خلال التنسيق معها على الاغلب، وربما كان ذو طابع اكثر حزما واكثر ثباتا. اليوم ايضا يوجد تنسيق في المواقف بين الاسد ومبارك في رفض الانضمام للمعاهدة الكيماوية والمعاهدة البيولوجية.
حرب الخليج في عام 1991 دفعت سوريا لبلورة موقف علني شامل بصدد السلاح الاستراتيجي عموما بما فيه الصواريخ. سوريا أكدت ان تدمير السلام الاستراتيجي العراقي باشراف الامم المتحدة يجب ان يتزامن مع تدمير السلاح الاستراتيجي لدى كل دول الشرق الاوسط. هذا الموقف يشير بشكل نظري على الاقل الى ان سوريا مستعدة للتنازل عن سلاحها الكيماوي والبيولوجي وعن صواريخها مقابل تجرد اسرائيل والعراق منها.
الاسد قال لصحيفة "نيوز ويك" في معرض رده على سؤال حول هدف صواريخ سكاد سي السورية بأنها صواريخ دفاعية. على كل الاحوال توصف هذه القدرة باعتبارها تطبيق صارخ لرؤية الاسد الاستراتيجية الشخصية من خلال تجسيد صورة سوريا من ناحية قوتها العسكرية والتكنولوجية بما في ذلك مشاعر الثقة بالنفس والصورة الحديثة الجديرة بجيشها.
في عام 1992 أكد الاسد بأن لدى سوريا حل لاستعادة هضبة الجولان بأي ثمن رغم تفوق اسرائيل النووي. بذلك انزلق الاسد بدرجة ما نحو السيناريو الذي تستخدم سوريا خلاله سلاحها الكيماوي - البيولوجي. هذا الامر حظي بتدعيم آخر من خلال تصريح وزير الاعلام السوري في عام 1995 اذ قال ان سوريا تمتلك اوراقا لم تستخدمها بعد، الا انها ستفعل ذلك عند الحاجة في حالة حدوث تصعيد عسكري مع اسرائيل. وكذلك من خلال تحذير سفير سوريا في مصر مؤخرا بأن بلاده ستهدد بسلاحها الكيماوي اذا هددت بالسلاح النووي الاسرائيلي.
"انواع السلاح الاخرى" كما اعتاد الاسد تسمية سلاحه البيولوجي - الكيماوي مميزا بينه وبين السلاح النووي المنسوب لاسرائيل "سوريا والعرب مستعدون للتخلص من هذه الاسلحة فقط اذا تجردت اسرائيل من سلاحها النووي". الاسد صرح مؤخرا بأن سوريا قادرة على الحاق ضرر فادح بـ "السلاح الخاص" الموجود بحوزتها وان الجيش السوري قد وصل الى مستوى التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل.
زد على ذلك ان كشف النقاب عن المنظومة الصاروخية الفعالة السورية المكونة من صواريخ سكاد سي من خلال الصور الجوية الملتقطة من الاقمار الصناعية، يظهر انه قد دمج به تسلح كيماوي بشكل يوفر لسوريا خيار توجيه ضربة كيماوية مفاجئة وان الصواريخ موجهة نحو مفاعل ديمونا والمطارات والمدن الكبرى في اسرائيل، هذا من دون ان تكون اسرائيل قادرة على توجيه ضربة وقائية. كشف المنظومة النووية المنسوبة لاسرائيل من قبل صحيفة "جينز" للشؤون العسكرية بواسطة الصور الجوية يسمح لسوريا شكليا على الاقل بأن توجه ضربة كيماوية لهذه المنظومة، هذا الخيار استراتيجي من الدرجة الاولى وهو متاح لسوريا وقد اشار له الخبراء الامريكيون، كورت غوتفريد وبروس بلير (1988).
في هذا السياق يبرز الانتقال من منشآت الانتاج والتخزين للسلاح الكيماوي والبيولوجي الموجودة على سطح الارض الى منشآت تحت الارض، الامر الذي يحول دون توجيه الضربات لها.
احد المترتبات المركزية على هذا الوضع هو توجه سوريا لشل القدرة النووية العسكرية الاسرائيلية تماما اذا قررت سوريا مباغتة اسرائيل في هضبة الجولان خصوصا اذا استخدمت السلاح الكيماوي البيولوجي.
هذا السلاح السوري موجود على ما يبدو بجانب هضبة الجولان ("هتسوفيه"، 7 آب 1997). عدا عن القدرة الصاروخية السورية ورغم تفوق سلاح الجو الاسرائيلي من الواضح ان سلاح الجو السوري جاهز لاستخدام السلاح الكيماوي في القصف الجوي.
من الجدير ان نذكر ان امكانية استخدام سوريا لسلاحها الكيماوي ستقل اذا اصبحت تحت حماية المظلة النووية الايرانية لان حاجتها لاستخدام هذا السلاح ستقل في هذه الحالة لانها لن تخشى الانتقام الاسرائيلي النووي وستكون مستعدة في المقابل الى امتصاص الضربة الكيماوية البيولوجية الاسرائيلية المحدودة.
لا شك ان سوريا لن تكف عن مراكمة القوة في مجال السلاح الكيماوي البيولوجي على الاقل طالما لم يتم التوصل الى اتفاق لنزع السلاح النووي الاسرائيلي.
شبكة التضليل
البروفيسور عبد الله واثق شهيد الفيزيائي النووي السوري البارز عين وزيرا للتعليم العالي في سوريا في عام 1967 (عندما هوجم الجيش السوري في الجولان) وكان عضوا في لجنة الطاقة النووية السورية.
شهيد عبر عن رأيه لاستنفاد موارد سوريا في مجال العلم والتكنولوجيا للاغراض القومية الاستراتيجية. هذه الموارد كانت شحيحة جدا وقد سعى الى الرقي بها وتجسيدها بشكل مقنع من اجل تطوير الوسائل القتالية عندما عين مديرا عاما "لمركز الدراسات والابحاث العلمية".
هذا المركز أسس في عام 1971 بأمر رئاسي رقم 193 صدر في 13 آب 1969، حيث كان الاسد وزيرا للدفاع حينها، وأريد له ان يكون مركزا مدني الطابع، وفي 1973 نشر أمر رئاسي آخر أضفى الشرعية الرسمية على العلاقات المتبادلة بين الجيش والمركز. الاسد كان في هذه المرحلة قد اصبح رئيسا لسوريا وأريد للمركز ان يكون مرتبطا بالديوان الرئاسي ورافعة اساسية للتزود بالوسائل القتالية التي ارادت سوريا ان تطورها بنفسها حتى وان كانت هناك حاجة لمساعدة كبيرة من قبل الجهات الاجنبية.
البروفيسور شهيد عين في 1974 رئيسا للجنة الموارد البشرية العلمية من اجل افساح المجال امامه على ما يبدو للمناورة المريحة من اجل تحويل الموارد البشرية والوسائل لخدمة المركز. شهيد أشرف ايضا على المجلس السوري الاعلى للعلوم.
عندما تبين للبروفيسور شهيد وللرئيس السوري ان سوريا لن تتمكن من التوصل للسلاح النووي بدأ في النصف الثاني من السبعينيات الاستعداد لانتاج السلاح الكيماوي ولانشاء آلية شراء مقنعة للعناصر المطلوبة لذلك، وبذلك كانت سوريا الدولة العربية الثانية (بعد مصر) وبالتزامن مع العراق التي تستعد لتطوير السلاح الكيماوي البيولوجي.
كان من المنطقي من الناحية الرسمية انشاء قسم للكيمياء والبيولوجيا في الاطار الذي سمي "مركز الابحاث والدراسات العلمية". الا ان كشف النقاب عن مساعي تطوير الوسائل التقليدية في هذه الهيئة كان سيلقي ظلالا قاتمة على الهدف الحقيقي من قسم الكيمياء والبيولوجيا الموجود تحت نفس السقف.
لذلك تمت تغطية نشاطات القسم من خلال ستار البحث في التلوث الكيماوي والبكتيري للانهار ومعالجة المجاري وبناء منشآت تقطير المياه.
في عام 1998 شرع المركز باستخدام اطار علمي مكشوف أسماه "المدرسة العربية للعلم والتكنولوجيا"، وهو اطار وفر المساندة والتغطية لنشاطات المركز.
خصوصية المركز ومحاولة التعتيم على اهميته العسكرية برزت جيدا في صيف 1979 عندما شارك البروفيسور شهيد في مؤتمر الامم المتحدة للعلم والتكنولوجيا في فيينا كرئيس للوفد السوري، وهناك حاول التعتيم على جوهر المركز السوري الا انه لم يتمكن من الحصول على الميزانيات الدولية التي أمل السوريون بنيلها، البروفيسور شهيد غضب من هذه النتيجة وحدث النشرة العلمية الراقية Nature"" عن انعدام العدالة في النظام العالمي والتكنولوجي في العالم وندد البروفيسور في حينه بتوزيع الموارد وحقيقة ان الدول المتقدمة مثل يوغسلافيا والبرازيل تحصل على القسم الاكبر منه في الوقت الذي تحرم منه الدول المتخلفة مثل سوريا وتحصل على نصيب أقل.
وفي مقابلة اخرى ذكر البروفيسور شهيد ان "المركز يركز جهوده في بعض المشاكل الفنية الحساسة التي يوجد لسوريا اهتمام فيها في مجالات الكيمياء الاستخدامية والصناعية والفيزياء الاستخدامية والالكترونيات والهندسة الميكانيكية وتطبيقات علوم الحاسوب والسياسة العلمية".
احتياجات المركز المالية للاهداف المدنية المزعومة اخذت في التزايد. ولم يقف الامر عند هذا الحد اذ كانت خطة سوريا لاستبدال التسلح الكيماوي المتقادم الذي بحوزتها بسلاح كيماوي من انتاج ذاتي تتقدم باضطراد باعتبارها أحد المشاريع الحيوية للمركز.
بعد ذلك بثلاث سنوات نشر زيادين سردار كتابه "علم وتكنولوجيا في الشرق الاوسط" وكتب فيه ان المركز ينتمي لوزارة الدفاع السورية ويقوم بأبحاث عسكرية. رغم ذلك كله حصل المركز على الدعم المالي لشراء الاجهزة من اليونسكو ويدعم في تنظيم المؤتمرات المهنية في الاطار الرسمي المسمى المدرسة العربية للعلم والتكنولوجيا خصوصا من قبل المركز الوطني الكويتي للابحاث العلمية.
في هذه المؤتمرات شارك علماء اجانب رياديون من الغرب خصوصا، وكان المركز المتمتع الاساسي منها، الجامعة العربية وفرت الرعاية الرسمية لهذه المؤتمرات، اعتبار هدفها "تعزيز وتطوير التعاون بين الخبراء العرب وغير العرب في كل مجال تكنولوجي متاح من خلال انشاء اطار يتمكنون من اقامة العلاقات المتبادلة الوطيدة فيه".
من الناحية الفعلية كان اطار المؤتمرات سوريا كويتيا لا عربيا شاملا رغم مشاركة علماء من دول عربية مختلفة فيها. المركز الوطني الكويتي للابحاث العلمية حظي بميزانيات جيدة بل وحافظ على مستوى مهني جيد لنفسه. وكان هذا الوضع ملائما لاحتياجات المركز السوري خلال سنوات، وهكذا حظي المركز السوري بقناع مدني أفسح المجال امامه لارسال عشرات العلماء للحصول على العلم والتكنولوجيا الضرورية في الخارج ولشراء العتاد والمواد التي يريدها خلال السنين.
الاسد أصدر في الرابع من تشرين الاول 1983 أمرا رئاسيا يعطي افضلية واسعة للمركز ويؤكد اهميته المتزايدة، كما منح مدير عام المركز صلاحيات وزير وتقرر ان يقوم قائد الجيش والقوات المسلحة باختيار اعضاء هيئة الابحاث العلمية والجهاز الفني للمركز، وان تتم ترقية أقسام المركز الى درجة معهد أبحاث. قسم الكيمياء والبيولوجيا تحول الى معهد للكيمياء والبيولوجيا. الامر الرئاسي نص ايضا على اقامة معهد جديد يسمى المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولوجيا. هذا المعهد حافظ على غرار المركز على صلة قوية مع الجيش وقائد القوات العسكرية التي جاء مديره من صفوفها هو الذي يحدد نظامه الداخلي ويصادق على قرارات مجلس الادارة.
المعهد كان جزءا من المركز في الواقع وعمل على اعداد القوى البشرية المختصة والمهنية في مجال الكيمياء البالستية وفي مجالات اخرى ووفر له بنية تحتية تكنولوجية.
الدكتور عبد الحليم منصور نائب البروفيسور شهيد عين رئيسا للمعهد. المركز مقام في منطقة دمشق في البرزة وله فرع في الجديدة في منطقة حلب، على هذا النحو انشأ المركز بشكل مقنع المنشأة الاولى لانتاج السلاح الكيماوي صناعيا تحت اسم "مشروع زجاج البوروسيليكت" الا انه كان في الواقع انتاج دي كلورو وهي المادة الاساسية لمادة الاعصاب السارين ، الشركة الالمانية شوبورسيست هي التي أشرفت على الانشاء وشملت عناصر المنشأة انابيب وحاويات للتفاعل ذات قدرة تحمل لتأثير الكلور.
الصحافة البريطانية نشرت بأن السلاح الكيماوي السوري ينتج في مصانع في دمشق وحمص. بعد ذلك نشر ان السوريين أقاموا مصنعا لانتاج غاز الاعصاب في الصحراء السورية بعيدا عن دمشق. وان انتاج السلاح الكيماوي يتم في مركز بجانب حلب. اخيرا جاء بأن منشآت التطوير والانتاج موجودة بجوار قرية صغيرة تقع (في منطقة حلب) جنوبي حمص بجوار اللاذقية. وبالقرب من مدينة حماة في موقع غير بعيد عن مصنع الصواريخ الصيني في سوريا استكملت اقامة مصنع لانتاج (VX) وتمت اقامة منشأة بيولوجية اخرى. هذه المنشآت اقيمت كفروع مدنية مزعومة للمركز.
السلطات الالمانية وجهت في وقت متأخر نسبيا تحذيرا في تشرين الاول 1992 لمراكز الابحاث الالمانية بحظر الاتصالات مع المركز السوري للابحاث العلمية لانه ينتمي لوزارة الدفاع ويعمل في نفس الوقت في المجالين العسكري والمدني بما في ذلك انتاج السلاح الكيماوي والبيولوجي ويرتبط بالرئيس السوري مباشرة.
حتى صدور هذا التحذير عمل المركز بلا ازعاج وكان قلب البنية المقنعة السورية والى جانبه نشطت المؤسسة السورية العامة للصناعات الكيماوية التي وقعت في ايلول 1989 على اتفاق مع الشركة السورية - الاردنية للصناعة لاقامة مصنع لانتاج المبيدات ومواد التنظيف في سوريا على اساس الاعتقاد بأنهم سيتمكنون بواسطة شراء المواد الكيماوية ( عن طريق الاردن) من تحقيق اغراضهم العسكرية بنفس طريقة الخداع التي استخدمتها ايران ومصر والعراق خصوصا.
بهذه الطريقة استغلت سوريا مصنع انتاج المبيدات للتغطية على شراء المواد الخام لانتاج غازات الاعصاب (90) طن من المواد الخام تيري - ميتل - فوسفيت من الشركة الهندية (United Phosphorous) حيث باعته لشركة سورية باسم "ستما" ووصل في شحنتين.
على حد زعم سوريا يهدف شراء هذه المادة لانتاج المبيدات في مصنع مدني سوري. الشركة السورية "غاز غروب" وفرت هي الاخرى غطاء لمثل هذه الخطوات.
لاحقا تم تطوير منظومة الخطوات المقنعة السورية مع اقامة مصنع سلاح كيماوي جديد تحت الارض بجوار حلب "كمخزن" حيث تقود المشروع "الشركة السورية الوطنية للامن والسلامة" (التي تنتمي لجهاز الاستخبارات السوري).
موردي التكنولوجيا
سوريا هي الدولة الأبرز في الوطن العربي على صعيد الفجوة القائمة بين مستوى بنيتها التحتية التكنولوجية العلمية المتدنية جدا حسب كل الآراء وبين انجازاتها التكنولوجية العلمية الجديرة بالثناء في كل ما يتعلق بتطوير السلاح الكيماوي، فكيف حدث هذا الامر؟.
بادىء ذي بدء نشأ مزج اقصى بين الموجه النظري وبين منظومة التستر المقنعة. السوريون تمكنوا من احداث هذا المزج بفضل التوجه الواعي والبراغماتي للمؤسسة الحاكمة وادراك القيود والتمييز بين القيود القابلة للتغيير وتلك التي لا يمكن تغييرها التي تفرض الاعتماد المتواصل على الموردين الخارجيين، واخيرا التمسك بالهدف.
ثانيا، استجابة موردي التكنولوجيا سواء مع معرفة الدولة الام او عدم معرفتها وسواء كانوا يهتمون بالغاية الحقيقية لهذه التكنولوجيا. كل هذه الامور تزامنت وتوفرت على مدى سنوات.
ثالثا، السعي السوري للاستعانة بعدة موردين ونقل مركز الثقل في التوقيت الفعال وبالوتيرة الصحيحة من موردين اوروبيين الى موردين آسيويين.
المساعدة المصرية التي حظيت بها سوريا في اطار التحضير لحرب الغفران عندما ارسلت مصر لسوريا كميات صغيرة من المواد الحربية القتالية للاغراض البحثية والعلم التقني وكذلك كمية ملموسة من السلاح الكيماوي، كانت مساعدة لمرة واحدة. وبعدها عزلت سوريا ولم يتجدد التعاون بين البلدين الا مؤخرا.
لشدة الاستغراب استخدمت سوريا في بداية طريقها المستقلة في نهاية السبعينيات وفي بداية الثمانينيات ما توفر من معلومات وعلم تم التوصل اليها بالتوازي من الاتحاد السوفييتي ومن فرنسا، هذا الوضع استمر لسنوات، وان كان بصورة متواضعة وخاضعة للرقابة، الا ان فائدتها لسوريا كانت ملموسة بالتأكيد.
العلاقة مع الجيش السوفييتي كانت واضحة بفعل وصايته على الجيش السوري اما العلاقة مع فرنسا فقد نبعت من العلاقات المتبادلة التقليدية التي وجدت تعبيرها من خلال اطلاق اسم مركز الابحاث العلمية الفرنسي على المركز السوري.
حتى اليوم لا يعرف أحد كيف أسهم الاتحاد السوفييتي في الجهد الكيماوي السوري، ولكن يبدو ان اسهامه تراوح بين نقل المعلومات والمواد التسلحية وبين الصمت حيال مساعي السوريين للحصول عليها. ارسن - ميتل - سيانيد كان المادة الاولى التي حصل السوريون على المعلومات العلمية السوفييتية حولها عندما استكمل السوري رمضان من جامعة حلب دراسته في الاتحاد السوفييتي في السبعينيات وفي بداية الثمانينيات.
عندها طور السوريون قنبلة جوية تحتوي على السارين استخدموا قنبلة الاشعال الجوية السوفييتية "زاب". في مرحلة اكثر تقدما سجلت محاولة تطوير الرؤوس الكيماوية للقنبلة الانشطارية الجوية السوفييتية (PTAB-500) التي تحتوي على قنابل صغيرة. وفي انتاج الصواريخ السوفييتية قصيرة المدى التي كانت بحوزة السوريين - بروغ 7 و SS-21، واثر ذلك شرع في اختراع تجريبي. على خلفية زيارة الجنرال فيكالوب قائد سلاح الكيمياء السوفييتي في 1988 قدر بأن سوريا قد حصلت من الاتحاد السوفييتي على قدرة تزويد رؤوس السكاد بالمواد الكيماوية القتالية التي تحتوي على غاز الاعصاب (VX).
اضافة الى ذلك حصلت سوريا في عام 1993 على 800 كغم من المواد الخام لانتاج شكل جديد من (VX) بواسطة شركة تغطية انشأها الجنرال كونتسفيتس مستشار يلتسين لنزع السلاح الكيماوي وقائد الاكاديمية العسكرية الروسية للحرب الكيماوية. المواد هربت من الاكاديمية مع المعلومات التكنولوجية على ما يبدو بصدد طريقة الاستعمال.
المساعدة الروسية أخذت في النضوج ولم يقتصر الامر على المستوى الرسمي وحده، لا بل وصل بعد سنوات الى الامداد السري بالمواد الخام الاخرى عبر قبرص وانتاج سوريا لـ (VX) متطورة وتطبيق تكنولوجيا السلاح الكيماوي المحكم وتطوير رؤوس متفجرة كيماوية انشطارية محسنة واجهزة توجيه.
في الثمانينيات وصلت سوريا الى المانيا الشرقية عبر الاتحاد السوفييتي ومنها وصلت الى المانيا الغربية بشكل طبيعي وسريع جدا.
على هذا النحو نفذت سوريا في السنوات 1986 - 1986 تجارب رش مواد عضوية فوسفورية (مبيدات في هذه الحالة) من خلال التعاون بين الدكتور اسماعيل علي الحسين الذي انتمى بشكل رسمي لكلية الزراعة في دير الزور وبين البروفيسور الالماني الشرقي ثيو وتسل من جامعة مارتين لوثر في هاله - فيتنبرغ المختص في هذا المجال. الافتراض هو ان هذا كان طرف جبل الجليد من المساعدة الالمانية الشرقية الكثيرة التي قدمت لسوريا سرا (مثلما أعطيت للعراق).
بالنسبة لالمانيا الغربية الامور اكثر وضوحا، خط الانتاج الذي خططت له سوريا من اجل منشأة الانتاج التسلسلي لـ (DF) الذي ينتج السارين الحربي منه احتوى على مرحلتين: الاولى قدرة الصمود والتحمل للمواد الكلورية التي يتوجب انتاجها قبل الـ (DF) والثاني يتطلب تحمل الفلور وهو عنصر اكثر تدميرا من الكلور، الاختيار وقع على شركتين غرب المانيتين لتنفيذ المرحلتين المذكورتين وهما: "شوط" و "زيغري".
بعد عدة سنوات وبعد ان تم انتاج أطنان كثيرة من مركبات الكلور في خط الانتاج المذكور ومنها الـ (DF). بنفس الطريقة واصلت سوريا الحصول على المواد الخام من شركات اوروبية اخرى لم تكلف نفسها عناء السؤال عن الغاية من هذه المواد.
بالنسبة للسلاح الذي يحتوي على السارين فهناك افتراض بأن السوريين استعانوا بالمعلومات التي حصلوا عليها من خلال طبيب الماني من مواليد سوريا (رفعت الرماحي) الذي اشتبه بالتجسس لصالح سوريا في اطار عمله في الشركة المختصة بتنظيف المواد الكيماوية.
المخابرات العسكرية السورية استخدمت ايضا شخصا مركزيا المانيا واسمه هانس يواكيم روزا في السنوات 1992 - 1994. روزا أمد سوريا بمعلومات صناعية حول انتاج السلاح الكيماوي. ورغم توجه الحكومة الالمانية الصادق لمنع الشركات الالمانية من التعامل مع سوريا في مجال الكيماويات الا ان مساهمة الموردين الالمان في مشاريع الانتاج الكيماوي والبيولوجي السورية.
السوريون حصلوا من فرنسا على معلومات علمية ذات قيمة تطبيقية خصوصا في المجال البيولوجي بينما قادت الأعقاب السورية - الفرنسية في المجال الكيماوي نحو ايران. الدلالة على توطد التعاون السوري - الايراني في المجال الكيماوي تأتي من خلال استخدام البلدين لنفس الشركات الاوروبية مثل شركة كارل كولب الالمانية الغربية وشركة اوهده الالمانية ايضا وشركة كيلوغ البريطانية.
العلاقة السورية - الايرانية تطورت الى تعاون عسكري - استراتيجي واسع ومعمق. بما في ذلك المجال الكيماوي البيولوجي. وخاصة في انتاج الرؤوس القتالية الكيماوية لصواريخ ارض - ارض الايرانية السورية.
هكذا حدث ان التعاون الايراني - السوري الاستراتيجي جر من ورائه مساعدة تكنولوجية ملموسة جدا من قبل كوريا الشمالية والصين. في المعسكر الاسلامي تتعاون سوريا مع ايران ومع ليبيا على الاغلب ومصر وربما مع العراق ايضا. في السياق السوري - الليبي يجدر ان نذكر ان سوريا قد انشأت مصنعا كيماويا حديثا يشبه المصنع الليبي بفضل التعاون مع ليبيا.
سلاح كيماوي
السلاح الكيماوي الاول الذي حصلت عليه سوريا جاء من مصر، وفي نهاية السبعينيات بدأ هذا السلاح بالتقادم. لا شك ان غاز السارين الذي أعطته مصر لسوريا لم يعد صالحا بسبب تحلله، اما الخردل فما زال صالحا للاستعمال. على كل الاحوال حصلت سوريا على غاز السيانيد الخانق وفي صيف 1980 اقتحم الجيش العراقي السفارة السورية في بغداد ووجد السيانيد فيها، الامر الذي دفع بغداد لاتهام سوريا بالتخطيط لتسميم مصادر المياه.
بعد عام ونصف جاءت احداث حماة في شباط 1982 حيث استخدمت القوات السورية ضد المتمردين من الاخوان غاز السيانيد الذي تسبب في موت 18 الف شخص كانوا مختبئين في البيوت.
هذا كان مرحلة تحضيرية فقط، وفي وقت لاحق خططت سوريا لانتاج السلاح الكيماوي وبناء عليه طورت في المرحلة الاولى قنابل جوية تحتوي على المواد الكيماوية القتالية المكونة من غاز الاعصاب السارين. الى جانب ذلك ظهرت مؤشرات على انتاجهم لاسلحة مدفعية تحتوي على السارين.
العملية اخذت في النضوج على مستوى المختبر وخلال عام 1980 استخدموا القنبلة الاشتعالية الجوية السوفييتية "زاب" لتعبئة الـ (DF). في منتصف الثمانينيات بدأ السوريون في مراكمة الرؤوس الصاروخية الكيماوية. من هنا توجهت سوريا لاضافة غاز الاعصاب (VX) الى ترسانتها الكيماوية، وهذا الغاز خلافا للسارين اكثر احتمالا وأشد تسميما. عبر المجاري التنفسية ومن خلال الجلد.
بعد ذلك عكفت سوريا على بناء اجهزة اطلاق ونشر جديدة للمواد القتالية الكيماوية. في مختبرات مركز الابحاث السوري نضجت عملية تطوير قنبلة جوية حديثة تحتوي على (VX) وفي نيسان 1992 نفذت طلعة تجريبية لالقاء القنبلة شمالي دمشق. سوريا قامت منذ مدة غير طويلة بتزويد صواريخ السكاد سي برؤوس قتالية كيماوية، هذا اضافة الى آلاف القنابل الجوية الكيماوية المحمولة على طائرات السوخوي 22 و24 وميغ 23 و100 - 200 رأس سكاد بي كيماوي. المساعدة من قبل الخبراء الروس أدت الى التطوير الناجح للرؤوس الكيماوية الانشطارية للصواريخ.
سلاح بيولوجي
سوريا تعرف جيدا ان تسلحها الاستراتيجي الاقصى الممكن والوشيك من وجهة نظرها يشمل رؤوسا متفجرة بيولوجية لصواريخ ارض - ارض بعيدة المدى وتتصرف وفقا لذلك.
المتحدثون السوريون ذكروا ان سوريا تتزود برد تقني على السلاح النووي الاسرائيلي قد يفوقه قوة، وان لسوريا حق مشروع في التزود بأنواع عديدة من اسلحة الابادة الجماعية.
وزير الدفاع السوري وصف الضغط المتزايد على العراق من قبل الامم المتحدة بأنه ضغط غير مبرر في الوقت الذي تملك فيه اسرائيل مطلق الحرية في تطوير كل الوسائل القتالية غير الكلاسيكية وان
لسوريا والدول العربية بناء على ذلك الحق في تطوير وسائل مضادة لاسرائيل المعادية.
يبدو ان التصريحات السورية حول السلاح البيولوجي رغم قلتها تعبر عن خط تفكير يهدف الى تسريب لتوجهات التسلح السورية بالسلاح البيولوجي بطريقة غير مباشرة مع الحفاظ على الغموض المستطاع. هذا لانه من المعروف ان لدى سوريا سلاح كيماوي ومن المشكوك فيه في ذات الوقت ان يتمكن السلاح الكيماوي من القضاء على القدرة الردعية النووية المنسوبة لاسرائيل. في الجيش السوري نفسه ايضا وزعت خلفية (عامة) حول السلاح البيولوجي تجسد قيمته الاستراتيجية الكبيرة كما يراه الجيش السوري.
ذكر سوريا علنيا كدولة تقوم بتطوير سلاح بيولوجي اضافة الى السلاح الكيماوي بدأت في عام 1988. اليوم بعد عشر سنوات تقريبا من بدء التطوير وصفت سوريا احيانا كمنتجة للسلاح البيولوجي. الخبراء الروس الذين استأجرتهم سوريا يعكفون على انتاج فيروس الانتراكس وتحميله في الرؤوس الصاروخية. في مركز الدراسات العلمية والابحاث في دمشق الذي تأكد وجود نشاطات لتطوير السلاح الكيماوي يوجد قسم بيولوجي ايضا. الابحاث التي نشرت بمبادرة هذا القسم تشير الى انه يركز على الجراثيم والزلاليات.
البنية التحتية السورية البيولوجية التكنولوجية متدنية بشكل اساسي، الا ان السوريين انتجوا في هذا المجال مثلما فعلوا مع المجال الكيماوي اذ بنوا رأس جسر ضيق يسمح لهم بالقفز درجة للامام. لسوريا تجربة متواصلة في تربية الجراثيم والفيروسات من اجل انتاج التطعيمات خصوصا الجدري والانتراكس والحمى المالطية.
في مجال السموم هناك نشاط سوري مكثف حيث يظهر التعاون بين المركز ومركز الدراسات البحرية في اللاذقية للتوصل الى سموم مستخرجة من الكائنات البحرية على ما يبدو. سوريا توصلت لقسم هام من المعلومات في المجال البيولوجي من خلال مؤتمرات "اسبوع العلم العربي" الذي نظمه المركز في أوقات متقاربة. العلم الذي تراكمه سوريا في هذه المجالات يهدف لخدمة غايتها في الوصول الى التسلح البيولوجي الشامل المتجسد بشحن كل الرؤوس القتالية لصواريخ ارض - ارض بعيدة المدى بالمواد البيولوجية، ومن المعتقد ان هذا الهدف قابل للتحقق في المستقبل القريب، هذا اذا لم يتحقق بعد.
موقف سوريا الرسمي بالنسبة للسلاح البيولوجي يفيد بأن سوريا تؤيد التعاون الدولي الاقوى في مجال الانشطة البيولوجية لاهداف سلمية. التي ستزيد بالتأكيد من قوة التأثير والواقعية في المعاهدة البيولوجية. رغم اللهجة الايجابية في هذا الموقف الا ان صياغته الغامضة لا تشير الى انعدام النشاط السوري في مجال السلاح البيولوجي. في الواقع بذلت سوريا منذ عام 1983، ان لم يكن قبل ذلك، جهدا ملموسا في مجال السلاح البيولوجي، ومنذ بداية التسعينيات يوجد احتمال ان تكون قد توصلت الآن للسلاح البيولوجي.
