Friday, May 30, 2014

محاكمة مبارك.. وآمال الفلسطينيين الكبيرة


رغم أن الحكم الصادر بحق الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك ومعاونيه لم يرق لتطلعات الكثير من الفلسطينيين، إلا أن الغالبية ترى أن هذا الفعل بحد ذاته يمثل إحدى معجزات ثورة 25 يناير، فعلى غير العادة وقف مبارك ونجليه ومعاونيه خلف القضبان، ضعفاء يواجهون تهماً بالقتل والفساد واستغلال المنصب، ويستجدون من المحامين إنقاذهم، وهي صورة معاكسة تماماً لما كان يجري سابقاً حين يعقد نظام مبارك محاكمات صورية ظالمة للمعارضين من كل الأطراف ويزج بهم في السجون زوراً وبهتاناً.
المحاكمة التي عقدت في الثاني من يونيو/ حزيران 2012، أنهت جزءاً جوهرياً من عملية محاسبة الماضي، وهو تاريخ لن ينسى لفترة طويلة، بل سيبقى عالقاً في أذهان الأجيال القادمة، كونه يحمل في طياته الكثير من المعاني والمؤشرات، وأبرزها أن الرئيس المقبل سيدرك ملياً أن العقاب سيكون في انتظاره إذا لم يعدل بما يرضي الله، بمعنى آخر، المحاكمة هي رسالة هامة على نحو خاص لكل رئيس مصري سينتخب وكذلك لنظرائه في كافة الدول العربية.
علماً أن هذه السابقة التاريخية المشرفة جاءت لتؤكد على عدالة وحضارية وإنسانية الثورة المصرية، فجثة الرئيس لم تسحل على الأرض كما فعل الليبيون في معمر القذافي، ولم يفر مبارك من بلاده مثل زميله التونسي، ولم يرفع المصريون السلاح في وجه بعضهم البعض كما يجري في سوريا، ولم يلجأ الشعب إلى سياسة "آخذ الثأر باليد" بل فضل أن يكون القضاء الحاكم بينه وبين الديكتاتور الذي أذاقه الأمرين على مدار أكثر من 3 عقود، وصلت مصر خلالها لمرحلة الهوان والذل والفساد والتسول على أبواب الدول المانحة، بخاصة بعدما بات "سيد القصر الجمهوري" في آخر سنوات حكمه ليس سوى دمية تحرك خيوطها الحلقة الضيقة المحيطة به، بالإضافة إلى أطراف خارجية ليس أولها الولايات المتحدة الأميركية.
لا يكاد يختلف اثنان في الشارع الفلسطيني على أن رحيل مبارك عن الحكم يمثل مكسباً للقضية الفلسطينية التي أتقن "المخلوع" فن التلاعب بها، خدمة لأهدافه وتطلعاته الشخصية، فاستخدمها في اتجاهين، الأول وهو داخلي، وعمل عبره على امتصاص غضب الشارع المصري والظهور بمظهر حامي الحماة والأمين على الفلسطينيين وقضيتهم، أما الاتجاه الثاني الذي لعب مبارك عليه، فاستهدف العالم الخارجي، فكانت القضية الفلسطينية الأداة التي يستخدمها للمناورة والضغط وتحقيق المكاسب الفردية، وتشدق أكثر من مرة بأنه يحافظ على استقرار المنطقة وأمن إسرائيل. ومثال ذلك حالة رئيس اليمن السابق الذي أعلن في ذروة الانتفاضة الثانية انه لو كانت دولته تحادّ إسرائيل لكان فتح الحدود ومكن الناس الراغبين من محاربة إسرائيل. وأجابه مبارك ساخراً أن الحدود مفتوحة ودعاه إلى إظهار قدراته العسكرية.
وما يدلل على اهتمام الدولة العبرية بـ"الرئيس المخلوع" ما قاله وزير الأمن الإسرائيلي السابق، بنيامين بن اليغازر عقب إدانة مبارك بالسجن المؤبد: "إن الشرق الأوسط بعد مبارك لن يبقى كما هو على حاله وأننا لا نتجه إلى ما هو أفضل..". فإسرائيل تعرف أن الرئيس المقبل يختلف عن مبارك، لأنه جاء بتفويض شعبي، وسيجد دعما من الشارع المصري لأي قرار يتخذه ضد إسرائيل، وتعرف تل أبيب أيضا أن الدول الكبرى، وأولها الولايات المتحدة، تريد أن تبدأ علاقة جيدة مع أول رئيس مصري منتخب من الشعب، وستحرص على إرضائه في القضية الفلسطينية.
على أية حال، إن محاكمة القرن -كما يحلو للبعض تسميتها- تعتبر جزءاً من استعادة الكرامة المسلوبة للشعب المصري، الذي يؤمن بداخله أن هذا الطريق ليس معبداً بالورود، بل يستلزم التخلص من بقايا النظام السابق، والتحرر من التبعية الغربية، والتعامل مع إسرائيل على مبدأ "ندي" وتمثل عملية طرد السفير الإسرائيلي من القاهرة عقب التظاهرات الشعبية الغاضبة وفتح معبر رفح البري في الاتجاهين رسالة واضحة في هذا الاتجاه، وان كان لم يصدر أي قرارات رسمية لجماعة الإخوان المسلمين التي فازت بالأغلبية في مجلس الشعب حول العلاقات مع الطرف الفلسطيني إلا أن الإشارات الإيجابية في هذا الاتجاه كثيرة، ولعل وقف تصدير الغاز للدولة العبرية لخير دليل على ذلك.
فمصر التي تعتبر مفتاح القضية الفلسطينية بسبب ثقلها الاستراتيجي والعسكري والبشري تطمح هذه الأيام إلى تكون لاعبة مركزية في السياسة الخارجية الإقليمية، وهي مقدمات تشي بان عصر مبارك تحلل وذهب الزمان الذي كانت ترى مصر فيه على أنها دولة خسرت مكانتها وباعت ضميرها، حيث إنه من المعروف أن النظام المصري السابق شارك في محاولة إسقاط حكم حركة "حماس" في قطاع غزة من خلال التضييق على سكان القطاع ومحاربتهم في لقمة عيشهم، فأصدر مبارك سلسلة أوامر لقطاعه الأمني، ومنها، استخدام الغاز في محاربة الأنفاق وهو ما أودى بحياة عشرات الفلسطينيين، وقبل عاماً من خلعه أمر بتشييد جداراً فولاذياً في باطن الأرض لمحاربة ظاهرة التسلل من غزة، وهنا لن نكون ظالمين إذا ما قلنا إن سياسة مبارك اتجاه القضية الفلسطينية أسهمت إلى حد ما في إشعال فتيل الثورة ضده.
على أن الكثير من المراقبين يؤكدون أن مغادرة مبارك للمشهد السياسي ومحاكمته لن تكون الحل السحري للقضية الفلسطينية، فهذا الفعل يحتاج إلى تضافر الجهود العربية والإسلامية، علماً أن مصر مثقلة بملفاتها الداخلية بعدما عمل النظام السابق على إنهاك اقتصادها وأغرقها في الفساد والظلم والاستبداد لعقود ثلاثة، لذلك فان استعادة عافيتها تحتاج إلى فترة ليست بالقصيرة، تستوجب من الجميع التكاتف والعمل يد بيد لاستعادة الكرامة المسلوبة، وهي مهمة صعبة تنتظر الرئيس المصري الجديد.

وأخيراً وليس أخراً، يأمل الفلسطينيون أن تكون محاكمة مبارك مقدمة تؤسس لمرحلة جديدة في قيادة مصر للأمة العربية، فهذا البلد الذي يمتاز بموقع استراتيجي ومقدرات ديموغرافية هائلة عودنا على مدار التاريخ أنه يلفظ الظلم والاستبداد، وسيبقى له الدور المركزي والمحوري في القضايا العربية والإقليمية والقضية الفلسطينية، ومع اقتراب تسلم المصري الجديد مهامه، نختتم مقالنا بما جاء على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر خلال اجتماعه مع شيخ الأزهر، بتاريخ 25/5/2012، حيث قال: "ولأكون صريحاً أمام الله والتاريخ أقول إن الرئيس السابق مبارك كان يستجيب أكثر من اللازم لطلبات إسرائيل وأمريكا؛ ولذلك آمل من الرئيس المصري المقبل الإنصاف والعدل للشعب الفلسطيني، وكفاه مرارة وعذاباً".
ارشيف 2012