ترجمة حرفية لجزء من تقرير لمنظمة بتسيلم صدر عام 2002
إقامة المستوطنات في الضفة الغربية مرتبط بانتهاك قواعد كثيرة مقننة في القانون الدولي تعهدت اسرائيل بتنفيذها. ينص القانون الانساني الدولي على حظر اقامة المستوطنات. والقانون الدولي بشأن حقوق الانسان يتعلق بانتهاك حقوق الفلسطينيين الناجم عن خرق حظر اقامة المستوطنات.
فيما يلي تفصيل لهذه القواعد سنتطرق بعدها الى خطر المس بالمستوطنين من قبل فلسطينيين:-
أ - القانون الانساني الدولي:
يرسي القانون الانساني الدولي قواعد تسري اثناء الحرب والاحتلال. واقامة المستوطنات تشكل انتهاكا لاتفاقيتين مركزيتين تضمنهما
القانون: ميثاق لاهاي بشأن قوانين وقواعد الحرب البرية والانظمة الملحقة بها عام 1907 (فيما بعد قواعد لاهاي) وميثاق جنيف الرابع بشأن حماية المدنيين اثناء الحرب الذي ابرم عام 1949 (فيما بعد ميثاق جنيف).
والموقف الرسمي لاسرائيل هو ان القانون الانساني الدولي لا يلزمها تماما في نشاطاتها في المناطق. وهذا الموقف تبلور لاول مرة عام 1971 من قبل المستشار القانوني للحكومة آنذاك مائير شيمغار. وحسب هذا الموقف ولما كانت سيادة الاردن ومصر على الضفة الغربية وقطاع غزة لم تحظ باعتراف دولي، فان هذه المناطق، قبل ان تسيطر اسرائيل عليها، لم تكن تخضع لسيادة أي دولة. لذلك لا يمكن اعتبارها "مناطق محتلة" يسري عليها ميثاق جنيف الرابع، رغم انها لم تحدد ابدا أي القواعد التي يمكن حسب رأيها ان تسري عليها.
وخلافا للموقف الاساسي لشيمغار فان الممثلين الرسميين لاسرائيل تجنبوا عموما التشكيك بسريان قواعد لاهاي على المناطق، رغم ان مشكلة سريان هذه القواعد، تشبه من حيث المبدأ، مشكلة ميثاق جنيف.
الموقف الاسرائيلي هذا لم يحظ بأي دعم دولي لا في الساحة الدولية ولا (بصورة كبيرة) في الساحة الداخلية. حيث ان الصليب الاحمر الدولي ومختلف منظمات الامم المتحدة والاغلبية الحاسمة من دول العالم ورجال القانون الدولي، رفضوا التفسير الاسرائيلي واستقروا على الرأي بان اسرائيل ملزمة بالعمل وفقا لميثاق جنيف الرابع. واستقرت المحكمة العليا على ان سريان قوانين الاحتلال مرتبط بوجود السيطرة العسكرية الفعالة خارج حدود السيطرة وغير مرتبط بسيادة سابقة لدولة ما على الارض. والسبب في تغليب هذا المعيار على معيار السيادة هو حقيقة انه في حالات كثيرة "ترتبط النزاعات الحدودية بنزاعات قانونية على مكانة الارض المدارة. وفي هذه الظروف فان اخضاع قوانين الاحتلال الى الاختبار القانوني من شأنه ان يبطل سريانها". ذلك لان الاعتراف بسريانها يفسر كتنازل عن الحق على الارض المحتلة.
ميثاق جنيف الرابع
المادة 49 من ميثاق جنيف الرابع تنص على انه لا يجوز للدولة المحتلة ان تبعد وتنقل جزء من سكانها المدنيين الى المنطقة التي احتلت من قبلها. وحسب التفسير المعتمد لهذه المادة فان الغاية منه هي "منع العرف الذي ساد خلال الحرب العالمية الثانية من قبل دول معينة، نقلت اجزاء من سكانها الى مناطق محتلة لاسباب سياسية، عنصرية أو بهدف، مثلما ادعوا، توطين تلك المناطق".
وحسب الادعاء الاسرائيلي فان مادة 49 لا تمنع اقامة المستوطنات. جاء في وثيقة نشرت من قبل وزارة الخارجية الاسرائيلية: "لا يجب النظر الى قواعد ميثاق جنيف بشأن النقل القسري للسكان الى منطقة سيادية محتلة كحظر على العودة الطوعية لافراد الى مدن او قرى ابعدوا منها هم انفسهم او آباؤهم... يجب التأكيد على ان انتقال الافراد الى المنطقة هو طوعي تماما في الوقت الذي لم تقم فيه المستوطنات نفسها لهدف ابعاد السكان العرب ولم تفعل ذلك عمليا".
ان هذه الاقوال التي تبرر اقامة المستوطنات تنطوي على عدة اخطاء سواء في المجال القانوني او في مجال الحقائق.
أولا، حقيقة ان مواطنين اسرائيليين ينتقلون للسكن في المستوطنات بارادتهم الحرة لا تسوغ المستوطنات حسب ميثاق جنيف. وخلافا لحظر "النقل القسري" للسكان المحليين من داخل المنطقة المحتلة حسب بداية مادة 49 فقد حدد نص المادة في نهايتها ان الدولة المحتلة لا تبعد ولا تنقل مواطنين من مناطقها الى المناطق المحتلة. وكلمة "قسرا" لم تضف الى هذا الحظر. من هنا فان الحظر على نقل السكان من مناطق الدولة المحتلة الى المنطقة المحتلة اكثر شمولية، ويشمل ايضا النقل غير القسري.
كذلك الادعاء الذي بموجبه لم تأت المستوطنات لابعاد الفلسطينيين ولم تفعل ذلك عمليا لم يجعل المستوطنات قانونية . ان هدف الحظر على نقل المواطنين الى منطقة محتلة هو حماية السكان المحليين من استيطان سكان آخرين في اراضيهم وذلك بسبب الاضرار المنبثقة عن هذا الاستيطان - سلب الموارد الطبيعية، المس بالتطوير الاقتصادي، تقييد التطور التنظيمي وما شابه، وليس تحديدا من اجل منع ابعادهم عن الارض.
والاكثر من ذلك فان مصطلح "الانتقال الطوعي" هو مصطلح مخادع. حتى لو لم يدر الحديث عن انتقال قسري او ابعاد فان "ارادة" المواطنين بالانتقال الى المناطق لم تكن لتتحقق بدون تدخل الدولة في اقامة مستوطنات وحيازتها. كما سيتضح من هذا التقرير، فان دولة اسرائيل بكل اذرعها، هي التي بادرت وصادقت، وخططت ومولت الاغلبية الحاسمة للمستوطنات التي اقيمت في المناطق وهي التي سيطرت على الارض لصالحها. حتى وان كانت المبادرة الاولية، جاءت في بعض الحالات من اطر غير حكومية مثل حركة غوش امونيم، وبخلاف سياسة الحكومة، فقد صادقت الحكومة على المستوطنة بعد اقامتها وحولت لها الميزانيات المطلوبة. واضافة الى ذلك فان حكومات اسرائيل تشجع هجرة المدنيين الاسرائيليين الى المناطق بواسطة جملة واسعة من المحفزات الاقتصادية.
ان الرابطة التاريخية او الدينية للشعب اليهودي بمناطق الضفة الغربية المذكورة في وثيقة وزارة الخارجية لا يمكن ان تبرر تجاهل واجب اسرائيل تجاه القانون الانساني الدولي. والاغلبية العظمى للمستوطنات هي ليست "عودة الى بلدات او قرى" (على حد تعبير وزارة الخارجية) او حتى عودة الى مكان كان مأهولا قبل 1948 باليهود ، بل اقامة مستوطنات جديدة، وهذه "العودة" لم تجر من خلال اندماج المستوطنين في نسيج الحياة القائم في المناطق بل من خلال ايجاد نسيج منفصل يستند على التمييز (المادي والقانوني بينهم وبين السكان الفلسطينيين). واليهود الذين هربوا او ابعدوا من مستوطناتهم في الضفة الغربية خلال حرب 1948 وفقدوا ممتلكاتهم، يحق له، في اطار تسوية سلمية او أي تسوية أخرى،
المطالبة باستعادة ممتلكاتهم او الحصول على تعويض عنها. ولكن ليس هناك أي علاقة بين هذا وبين سياسة اسرائيل في موضوع الاستيطان.
قواعد لاهاي
أحد المباديء الاساسية للقانون الانساني الدولي عموما وقواعد لاهاي خصوصا هو مبدأ وقتية الاحتلال العسكري. ووقتية الاحتلال تنبع من القيود التي تسري على الدولة المحتلة بكل ما يتعلق بخلق حقائق ثابتة على الارض المحتلة.
المحكمة العليا نصت على أنه بالنظر الى ان الدولة ليست هي صاحبة السيادة على الارض المحتلة وان سلطتها مؤقتة فأنه يجوز لها العمل فقط حسب اعتبارين: الاحتياجات العسكرية ومصلحة السكان المحليين. وحسب صيغة القاضي اهارون براك: قواعد لاهاي تدور حول محورين مركزيين: الاول ضمان المصالح الامنية الشرعية للمسيطر على الارض الخاضعة لسيطرة عسكرية، والاخر ضمان احتياجات السكان المدنيين في الارض الخاضعة للسيطرة العسكرية... لا يحق للقائد العسكري ان يأخذ بالاعتبار المصالح الوطنية، الاقتصادية، الاجتماعية لدولته، طالما لا تنعكس على مصلحته الامنية في المنطقة او على مصلحة السكان المحليين. حتى احتياجات الجيش هي احتياجاته العسكرية وليست الاحتياجات الامنية بالمعنى الواسع.
ولما كان واضحا ان اقامة المستوطنات لا يتم لصالح السكان الفلسطينيين فان الادعاء المركزي الذي طرحته اسرائيل من أجل تبرير مصادرة الاراضي الخاصة حتى 1979 هو ان المستوطنات تلبي "احتياجات عسكرية عاجلة".
ان مسألة المساهمة العسكرية للمستوطنات كانت دائما وابدا مثار خلاف وسط العسكريين. من الواضح انه اذا تحققت مثل هذه الفائدة العسكرية او تلك، من وجود جزء من المستوطنات، بعد اقامتها، فان الغالبية العظمة من الحالات لم يكن هذا هو الدافع لاقامتها. لقد استندت سياسة المستوطنات لحكومات اسرائيل على مجموعة واسعة من الدوافع السياسية، الاستراتيجية والايديولوجية التي تتجاوز كثيرا الاحتياجات العسكرية بالمعنى الضيق للكلمة. وحسب اللواء احتياط شلومو غزيت الذي كان اول منسق لنشاطات الحكومة في المناطق: كان من الواضح ان للمستوطنين الاسرائيليين عموما وفي المناطق المأهولة بكثافة، خصوصا، ابعاد سياسية بعيدة المدى. هذه المستوطنات جاءت لتحديد حقائق جديدة على الارض من اجل التأثير على الحل السياسي المستقبلي... كان من الواضح ان اقامة المستوطنات الاسرائيلية المدنية هو بمثابة اعلان سياسة لا يقل اهمية عن قرار الكنيست في حزيران 1967 ضم شرقي القدس: هذه المستوطنة اقيمت في منطقة لا تنوي اسرائيل الانسحاب منها.
في الجيش توجد كتيبة ناحال التي احدى مهامها هي اقامة بؤر استيطانية عسكرية. والمواقع الاستيطانية، حتىعندما تبقى لسنوات، وحتى لو كان سكانها يعملون بنشاطات عسكرية، فهي ليست مستوطنات دائمة، ذلك لان الجنود يقيمون بها حتى نهاية خدمتهم في المكان ولا يقيمون بها منازلهم. وهذا النوع من الاستيطان لا يتناقض مع القانون الدولي. صحيح ان المواقع الاستيطانية لناحال اقيمت في المناطق ولكن معظمها شكلت مرحلة مبكرة لاقامة المستوطنات المدينة الدائمة.
رغم ان بناء المستوطنات المدنية الدائمة وتوطينها بالمدنيين هو مثال بارز على اجراء تغييرات دائمة في المنطقة المحتلة الا ان اسرائيل ادعت بشدة ان اقامة المستوطنات لم تنتهك هذا الحظر. وهذا الادعاء قبل في المحكمة العليا واشارت القاضية مريم بن فورات بشأن الاراضي الخاصة التي صودرت لغرض اقامة مستوطة بيت ايل ان مصطلح "المستوطنة الدائمة" هو مصطلح نسبي صرف. وهذا التفسير لمنع خلق حقائق ثابتة على الارض المحتلة يفرغ قواعد القانون الدولي في هذا الموضوع من مضمونها.
منذ عام 1979، في اعقاب قضية الون موريه توقفت اسرائيل عن تبرير مصادرة الاراضي لغرض اقامة المستوطنات بحجة "الاغراض العسكرية" وبدأت تستخدم لاجل ذلك الاراضي التي وصفت "كاراضي دولة". وكذلك على فرض ان هذه الاراضي كانت حقا مملوكة لحكومة الاردن - وهو الافتراض المشكوك فيه في الكثير من الحالات - فان استخدامها لغرض اقامة المستوطنات يتعارض مع قوانين لاهاي.
المادة الخامسة والخمسين من قوانين لاهاي تحدد القواعد بشأن الاستخدام المسموح به للعقار الحكومي الخاضع لسيطرة الدولة المحتلة: "الدولة المحتلة تعتبر فقط كوصي ومنتفع للابنية العامة، العقارات غير المنقولة، الغابات والمشاريع الزراعية التابعة لدولة العدو والموجودة تحت سيطرة الدولة المحتلة، عليها ان تحافظ على هذه العقارات وتديرها حسب قاعدة المنفعة".
أن مصطلحات "وصي" و "منتفع" تشير الى حق الدولة المحتلة في ادارة عقارات الدولة التي احتلت واستخدامها لاغراضها، ولكن بسبب حقيقة ان الاحتلال هو مؤقت وان الدولة المحتلة ليست صاحبة السيادة على الارض تفرض عليها عدة قيود. منها، انه يحظر على الدولة المحتلة تغيير طابع وشكل العقارات الحكومية ("اراضي دولة" بصدد المستوطنات) الا اذا تم ذلك لغايات عسكرية او لصالح السكان المحليين.
لما كانت المستوطنات تغير تماما من طابع "اراضي الدولة" التي تقام عليها، وعلى ضوء حقيقة انها لا تستجيب لأي واحد من الاستثنائين الواردين على منع اجراء تغييرات ثابتة فان اقامة المستوطنات يشكل انتهاكا سافرا للمادة 55 من قوانين لاهاي.
ب- القانون الدولي بشأن حقوق الانسان
انتهاك الحظر المبدئي على اقامة المستوطنات يؤدي الى المس بسلسلة طويلة من حقوق الانسان للسكان الفلسطينيين في المناطق وفيما يلي ملخصا لحقوق الانسان الاساسية التي تنتهكها اسرائيل مع الاشارة الى الفصول الواردة في التقرير التي تستعرضها بصورة مفصلة.
مبادىء حقوق الانسان التي صيغت لاول مرة في الاعلان العالمي بشأن حقوق الانسان عام 1948، وردت في ميثاقين عالميين صدرا عن الامم المتحدة عام 1966: الميثاق العالمي بشأن الحقوق المدنية والسياسية والميثاق العالمي بشأن الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية، والثقافية. وكانت دولة اسرائيل قد وقعت على هذين الميثاقين وصادقت عليهما. وحددت لجنتا هيئة الامم المتحدة المسؤولتان عن تفسير هذين الميثاقين وعن تنفيذهما انهم يسريان على كل منطقة تسيطر عليها دولة، بصرف النظر عن مسألة السيادة لذلك فهما تلزمان اسرائيل في نشاطاتهما في الضفة الغربية.
حق تقرير المصير
البند الاول المشترك لهذين الميثاقين ينص على ان:-
1- لكل الشعوب حق تقرير المصير. وبحكم هذا الحق للشعوب مطلق الحرية في تقرير مكانتها السياسية وان تعمل بحرية على تطويرها الاقتصادي الاجتماعي والثقافي.
2- يحق لكل الشعوب، من اجل تحقيق اهدافها، التمتع بحرية بثرواتها ومواردها الطبيعية. ولا يجوز باي حال من الاحوال حرمان الشعب من وسائل الحياة. خلال السنوات الاخيرة نشأ اتفاق واسع انضمت اليه اسرائيل، السلطة الفلسطينية ومعظم المجتمع الدولي، بموجبه الاطار المناسب لتجسيد حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني هو اقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة الى جانب دولة اسرائيل.
والفصل السابع من التقرير يحلل خارطة الضفة الغربية ويشير الى المناطق التي تسيطر عليها الان المستوطنات وعلى مناطق نفوذها المغلقة امام الفلسطينيين. وتوضح الخارطة كيف ان مستوطنات كثيرة تقطع التواصل الاقليمي بين عشرات الجيوب الفلسطينية، والمحددة اليوم كمناطق أ و ب. ونشر المستوطنات بهذه الصورة يمنع كل امكانية لاقامة دولة فلسطينية ومستقلة ثابتة، وعمليا ونتيجة لذلك تمنع تجسيد حق تقرير المصير.
كذلك، ومثلما سنوضح في نفس الفصل فان اقامة المستوطنات تحرم الشعب الفلسطيني من جزء كبير من ثروة الارض والمياه الحيوية للتطور التنظيمي والاقتصادي. وهذا المس يبرز أكثر بأكثر في القطاع الشرقي وخاصة غور الاردن حيث يوجد احتياطي الارض ومصادر المياه الكبيرة التي تستخدمها المستوطنات بصورة واسعة.
حق المساواة
الحق في المساواة هو احدى الدعامات الاساسية للدفاع عن حقوق الانسان وهو مقنن في المادة الثانية في الميثاقين وكذلك في مادة 2 من الاعلان العالمي بشأن حقوق الانسان. وينص:-
1- لكل انسان الحق بالحصول على الحقوق والحريات التي نص عليها هذا الاعلان بلا تمييز بدافع العرق، اللون، الجنس، اللغة، الدين، الرأي السياسي او الرأي في شؤون اخرى، وبسبب الاصل القومي او الاجتماعي، مكان الولادة او المكانة.
2- والاكثر من ذلك، لا يميز انسان حسب المكانة السياسية، وحسب صلاحية او المكانية الدولية للدولة التي ينتمي اليها سواء أكانت الدولة مستقلة او خاضعة للوصاية، وسواء اكانت ذات سلطة ذاتية او سيادتها مقيدة باي قيد آخر.
وطوال التقرير عموما، وخاصة الفصل الرابع، سنثبت كيف نجحت اسرائيل بوساطة عدة قوانين، انظمة وأوامر عسكرية في ضم المستوطنات لدولة اسرائيل بصورة غير معلنة. ونتيجة لذلك نجم في المناطق واقع لا يحصل فيه الشعبان اللذان يسكنان فيها - على نفس الحق في الحماية. وفي الوقت الذي يتمتع فيه اليهود بكل الحقوق الممنوحة للمواطنين في دولة ديمقراطية فان السكان الفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الذي يسلبهم هذه الحقوق.
ان نقل صلاحيات معينة للسلطة الفلسطينية في اطار اتفاقيات اوسلو لم يغير من هذا الواقع. ومعظم الفلسطينيين معرضون حتى اليوم للاحتلال الاسرائيلي ولا يزال الجيش يستطيع فرض قيود واسعة على حرية التنقل والسيطرة على مداخل ومخارج المناطق واعتقال فلسطينيين وغير ذلك. مقابل ذلك لا يزال المستوطنون يعيشون تحت سلطة مدنية كاملة بالضبط مثل المدنيين الاسرائيليين الذين يعيشون داخل حدود الخط الاخضر، ولا يوجد للسلطة الفلسطينية أي صلاحية تجاههم.
ان منع حقوق مختلفة لسكان يسكنون في نفس المنطقة وفقا لانتمائهم القومي هو انتهاك سافر للحق في المساواة .
حق الملكية
حق الملكية مقنن بالقانون الدولي وتمت صياغته في مادة 17 من الاعلان العالمي بشأن حقوق الانسان. وحسب هذه المادة:-
1- من حق كل انسان ان يكون صاحب ملكية سواء لوحده ام مع آخرين.
2- لا يجوز حرمان شخص من ملكيته بصورة تعسفية. وحماية الاملاك الخاصة مقننة بالقانون الانساني الدولي ومن بين ذلك في المادة 46 من اتفاقية لاهاي. والمادة 53 من ميثاق جنيف الرابع. والقانون الاسرائيلي اعترف بهذا الحق في المادة الثالثة من القانون الاساسي: كرامة الانسان وحريته، الذي ينص على عدم جواز "المس بملكية الانسان".
الفصل الثالث من هذه الدراسة تصف الاطار القانوني / البيروقراطي الذي انشأته اسرائيل من اجل السيطرة على الاراضي لاغراض اقامة المستوطنات وتوسيعها. وبعض هذه الاراضي كان بملكية خاصة او جماعية للفلسطينيين. ونقلها للمستوطنات وخاصة على خلفية عدم قانونيتها منذ البداية هو انتهاك سافر لحق الملكية. واكثر من ذلك فان الانتهاكات السافرة لقواعد الاجراءات العادلة التي رافقت السيطرة على الاراضي تجعل المس بهذا الحق تعسفيا على نحو خاص.
الحق في مستوى حياة مناسب
المادة 11 من الميثاق بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ينص على ان "الدول التي هي طرف في هذا الميثاق تعترف بحق كل انسان بمستوى حياة مناسب له ولعائلته بما في ذلك الغذاء، اللباس، السكن وتحسين دائم لشروط حياته".
الفصل السابق الذي يحلل الخارطة المرفقة بالتقرير يوضح كيف ان الكثير من المستوطنات اقيمت على مقربة من القرى الفلسطينية بصورة تتلامس مع حدود تطويرها التنظيمي على الاقل من احد الاتجاهات. وفي بعض الحالات، اقيمت المستوطنات تحديدا في المنطقة التي تعتبر، لاسباب طوبغرافية، هو اتجاه التوسع الطبيعي للقرى الفلسطينية. وفصل 8 يدرس هذه الظاهرة بتفصيل اكثر بشأن مستوطنة اريئيل وتأثيرها على القرى الفلسطينية المجاورة.
ان التمييز الذي تمارسه اسرائيل في اجهزة التخطيط، والذي هو موضوع الفصل السادس، يقيد امكانية التطوير التنظيمي للقرى الفلسطينية. وبواسطة القوانين العسكرية غيرت اسرائيل من مبنى الجهاز الذي كان قائما في عهد الحكم الاردني بحيث اصبح يعبر اساسا عن مصالح الحكم العسكري وجمهور المستوطنين متجاهلا بشكل مطلق احتياجات السكان الفلسطينيين.
واحد الاثار المباشرة لسد الطريق امام امكانية التطور التنظيمي هو الضائقة السكنية والارتفاع في نسبة الاكتظاظ في جزء من القرى الفلسطينية. وبذلك هناك مس بالحق بالتمتع بظروف سكنية مناسبة والتحسن الدائم في ظروف الحياة.
وكما سيرد في الفصل الثامن فان السيطرة على الاراضي المستخدمة للزراعة او الرعي ادت، في عدد من الحالات، الى المس الصعب في مصدر الرزق الاساسي لعائلات كاملة. وفضل عن المس بحق الملكية، ادت السيطرة على الاراضي الى تدهور كبير في مستوى الحياة مما يشكل انتهاكا للمادة 11 من الميثاق بشأن الحقوق الاقتصادية، الاجتماعية والثقافية والمادة 6 من نفس الميثاق الذي ينص على حق كل انسان في العمل وكسب الرزق بكرامة.
الحق في حرية الحركة
المادة 12 من الميثاق العالمي بشأن الحقوق المدنية والسياسية ينص على ان لكل انسان الحق في التنقل بحرية وبدون داخل بلده. واهمية هذا الحق تكمن في كونه الشرط الضروري لادارة الحياة اليومية وتجسيد منظومة واسعة من الحقوق الاخرى المقننة في القانون الدولي بما في ذلك ، والحق في العمل، والحق في الصحة والتعليم والحق في اقامة عائلة.
والفصل السابع يوضح كيف ان جزء كبيرا من المستوطنات التي اقيمت في السفوح الجبلية الوسطى تقع على جانبي شارع رقم 60 او قريبة منه . وهذا الشارع هو المحور الاساسي الذي يصل شمالي الضفة مع جنوبها. وكان الجيش قد أقام حواجز على مسار الشارع من اجل الحفاظ على سلامة المستوطنين وحرية حركتهم في هذه المنطقة وبين الحين والاخر يفرض قيودا صعبة على حرية الفلسطينيين في التنقل في مقاطع معينة منه. منذ اندلاع انتفاضة الاقصى، وخلالها كثرت الهجمات على سيارات اسرائيلية تتنقل في الشوارع لذلك شدد الجيش من هذه القيود وفي بعضها فرض حظرا مطلقا على الفلسطينيين في التنقل في شوارع يسافر فيها مستوطنون .
ج- المس بالمستوطنين
قطاع المستوطنين كان، منذ بداية الاحتلال، هدفا مناسبا لهجمات عنيفة من قبل السكان الفلسطينيين، سواء أكانوا افراد عملوا على مسؤوليتهم الشخصية ام خلايا عملت بتكليف من منظمات مختلفة. وشدة الهجمات تختلف من حالة الى اخرى بدء من الرشق بالحجارة باتجاه سيارات مسافرة ادت الى اضرار مادية فقط وانتهاء باطلاق النار والعبوات الناسفة ادت الى مقتل مدنيين اسرائيليين. وهذه الهجمات ازدادت في كانون اول 1987 مع اندلاع الانتفاضة الاولى، ومنذ بداية انتفاضة الاقصى تحولت عمليا الى امر يومي وازدادت شدتها بصورة كبيرة.
ألمحت مصادر فلسطينية مختلفة سواء وسط السلطة الفلسطينية ام وسط المنظمات غير الحكومية، بل واعلنت بوضوح انه لما كانت المستوطنات غير قانونية فان كل الوسائل في الكفاح ضدها هي شرعية. مثلا برر وزير شؤون الاسرى في السلطة الفلسطينية، هشام عبدالرازق، الهجوم على حافلة نقل تقل اولاد من مستوطنة كفار دروم في قطاع غزة، حيث قتل مواطنان واصيب تسعة من بينهم خمسة اطفال، بجروح، قائلا بان "هؤلاء الذين نفذوا الهجوم هم ابناء الشعب الفلسطيني. لقد نفذوا هذا الهجوم ضد من يحتل ارضنا. من وجهة نظرنا فان كل عملية ضد الاحتلال هي قانونية".
وفي بيان نشرته مجموعة من المنظمات الاهلية الفلسطينية تم التلميح بان المس بالمستوطنين هو امر شرعي ذلك لانه لا يمكن اعتبارهم مدنيين، لان المستوطنات تلعب ايضا دورا عسكريا ولانها جزء لا يتجزأ من الدفاع المناطقي في الضفة الغربية. والادعاء الاخر الذي يطرح بين الحين والاخر من قبل اوساط فلسطينية هو ان المستوطنين يشاركون في اعمال العنف ضد السكان الفلسطينيين وبدون ان تمنع السلطات الاسرائيلية هذا. وبموجب ذلك فان المس بهم مسموح.
هذه الادعاءات تخالف المبادىء الاساسية جدا، سواء مبادىء القانون الدولي بشأن حقوق الانسان او القانون الانساني الدولي. وهذه المبادىء هي جزء من القانون الدولي الذي يلزم كل انسان ومجموعة في كل مكان وليس فقط الدول التي وقعت على الاتفاقيات التي وردت فيها هذه المبادىء. والحق في مقاومة الاحتلال عموما والمستوطنات خصوصا لا يجيز تجاهل هذه المبادىء.
ان المس بالمستوطنين يعتبر انتهاكا سافرا للحق في الحياة وسلامة الجسم المقنن في المادة 3 للاعلان العالمي بشأن حقوق الانسان والمادة السادسة من الميثاق بشأن الحقوق المدنية والسياسية. وكذلك فان احد المبادىء الاساسية للقانون الانساني الدولي هو مبدأ التمييز بين هؤلاء المشاركين في نشاطات حربية وبين اولئك الذين لا يشاركون بها. وقطاع المستوطنين عموما، هم قطاع مدني واضح يشمل اطفالا. لذلك فهو ليس جزء من قوات الجيش.
وانتماء جزء من المستوطنين لقوات الامن، على هذا النحو او ذاك، لا يؤثر على مكانة باقي سكان المستوطنين كمواطنين ليسوا هدفا شرعيا للهجوم. والادعاء الذي طرح من قبل منظمات فلسطينية الذي بموجبه المستوطنات وسكانها، يخدمون اغراضا عسكرية لاسرائيل ليس دقيقا. ومثلما سنوضح في الفصل الثالث فقد طرحت اسرائيل في السابق هذا الادعاء من اجل التبرير القانوني للسيطرة الاسرائيلية على اراض فلسطينية خاصة لاقامة المستوطنات. مع ذلك في عام 1979 ردت المحكمة العليا هذا الادعاء (انظر النقاش في قضية الون موريه) وفقط بعد ذلك كفت اسرائيل عن استخدام هذا الادعاء. والمفارقة هي انه لو كان الادعاء بشأن كون المستوطنات هدفا عسكريا صحيحا، فان اقامتها لا يشكل انتهاكا للقانون الدولي.
ان المستوطنين الذين يهاجمون فلسطينيين لا يفقدون بذلك حقهم في الحماية بسبب كونهم مواطنين وبالتأكيد لا يؤثر الامر على مكانة عائلاتهم او جيرانهم في المستوطنات. من الواضح ان مكانتهم كمواطنين لا يمس حق الفلسطينيين المعتدى عليهم بالدفاع عن النفس بما في ذلك حقهم في استخدام القوة المطلوبة ضد المعتدين.
