لم تحقق إسرائيل أي من أهدافها، وذلك بسبب:
أولاً: تحطم نظرية حسم المعارك عن طريق الجو:
فرغم "الحرب القذرة" من الجو، صواريخ المقاومة مستمرة في الانطلاق من القطاع. والدخول بقوات راجلة مؤللة لغزة، ورقة ضغط وحيدة متبقية في يد الاحتلال، لكن عواقبها وخيمة، وبخاصة حين طرح اسئلة على غرار:
كم ستستمر العملية؟ وكيف ستتمكن قوات الاحتلال من الدخول للمخيمات المكتظة؟ وفوق ذلك، هل عملية برية فعلاً قادرة على القضاء على حركات المقاومة؟ وما الثمن "الارتدادي" في حال فشلت العملية؟
وليس من الممكن إجراء تقدير دقيق لعدد خسائر إسرائيل في حال شنت الهجوم البري الواسع النطاق ضد القطاع. تستعد كتائب القسام وشريكاتها من مجموعات مقاومة لمثل هذا السيناريو منذ عدة سنوات، ويمكن للمرء أن يتوقع بأن تكون أكثر استعداداً من أي وقت مضى لمواجهة مثل هذا الهجوم.
لذلك نرى إسرائيل الآن تهدد بالاجتياح البري، ولسان حالها يقول للعالم: "أمسكوني!".
ثانيًا: استمرار إطلاق الصواريخ يزعزع "الردع الدفاعي" للدولة العبرية:
هل كان أحد يتصور قبل سنوات قليلة أن تجرؤ المقاومة على قصف تل ابيب على نحو يومي. وتقف إسرائيل عاجزة عن الرد باستثناء قصف بيوت المدنيين؟
ولعل تحسن صواريخ المقاومة يعتبر أهم مميزات هذه الجولة، لجملة أسباب: وهي:
1- لا يوجد إمكانيات تكنولوجية قادرة على إعاقة هذه الصواريخ بنسبة نجاح كبيرة، وبخاصة قصيرة ومتوسطة المدى منها، كونها تطلق بكثافة ولا تحمل محركات بداخلها، وأن وجدت فانها تعمل لفترة قصيرة.
2- قواعد إطلاق السلاح الصاروخي أسهل أنتاجا واستعمالا، فالصاروخ يطلق من أنبوب - ليس ثقيلا، مثل أنبوبة المدفع، ويعطي السلاح الصاروخي تغطية نارية لمدى أبعد من السلاح المدفعي المعياري (الصواريخ غير الموجهة، ذات جدوى حتى بعد يقرب من 100 كيلومتر على نحو عام).
3- تستعمل الصواريخ لتغطية سريعة كثيفة: فقاعدة إطلاق BM-21 الروسية، التي يعتقد أن المقاومة تمتلكها، تستطيع إطلاق 40 صاروخا بقطر 122ملم في أقل من دقيقة واحدة.
4- سهولة تحريك منصات هذه الصواريخ ممكنة بيسر وسهولة، لذلك فانه بالإمكان تعطيل اكتشاف أماكن إطلاقها مع الآخذ بالحسبان أنها تنشئ كمية من الدخان والنار عند إطلاقها، ما يسهل اختباء مطلقيها.
ومن مميزاتها الإضافية أيضاً إمكانية إقامة عدد من منصات الإطلاق على الأرض، وتوجيهها إلى الهدف، واستعمالها بجهاز تحكم من بعيد أو بجهاز تمهيل، وبهذا يمنع كشف النار المضادة للمستعملين. على هذا النحو تستطيع القوة المهاجمة التحرك سريعا، والاختباء، وإطلاق النار والهرب إلى أماكن اختباء أخرى. ولهذا فإسرائيل سيكون صعبا عليها ايقاف الزخات الصاروخية من خلال الاستهداف الجوي المباشر للمقاومين.
5- تعويقها مسألة معقدة، وتكاد تكون مستحيلة في المدى المنظور. فمدة طيران الصواريخ التي تضرب المستوطنات القريبة من غزة قصيرة نسبيا، دقيقة - دقيقتين، إلى أبعاد تصل إلى 20 - 50كم. كما أن حجمها صغير، فهي تشكل بالنسبة للرادار أهدافا صغيرة جدا. كما إن اشتعال محرك هذه الصواريخ ذو نهاية ملحوظة، فالمحرك يعمل لثوانٍ معدودة فقط.
هذا بالإضافة إلى أنها تطلق على نحو عام في رشقات كبيرة. التعويق الناجح هو الذي يصيب أعلى نسبة من الرشقة، وسيكون المهاجم قادرا دائما على ضرب النظم الدفاعية للمدافع بأعداد أكبر من الصواريخ.
وما يزيد التحديات أمام إسرائيل، إن منظومة القبة الحديدية- لا تعمل على النحو المطلوب لغاية الآن، ولذلك تم الاستعانة في الجيل الثامن منها، كما أن تكلفة تشغليها اليومية، كبيرة. تكلف البطارية الواحدة 5 ملايين دولار، بحسب ما ذكرت IHS جونز، وتكلفة الصاروخ الواحد 62000 دولار، وفقا للمسؤولين الإسرائيليين. بينما تبلغ تكلفة صواريخ المقاومة مئات الدولارات فقط.
نهاية القول إن تخبط إسرائيل في الوقت الراهن، يذكرنا بالقصة القديمة التي تقول إن عصبة عميان اصطدمت بفيل: أحدهم تحسس ساقه، وأعلن لرفاقه بأنهم أمام عامود. الثاني أمسك بالذيل وقال إنه يجد حبلا. أما الثالث فقد امسك باذن الفيل وتوصل إلى استنتاج بأنه يداعب غربالاً. والرابع لمس جلد الفيل، واقتنع بأنه يقف أمام كتلة من الفولاذ!